الصحوة – تعد ولاية منح الشامخة من ولايات محافظة الداخلية التي يوجد بها حصن الشموخ الشامخ والذي اتخذه السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه مقر له منذ بزوغ النهضة المباركة، فارتبط حظور جلالته طيب الله ثراه في محافظة الداخلية بمنح الشامخة وقرى منح، ورتأت “الصحوة” في هذا التقرير الحديث عن أهم قرى الولاية وهي قرية “البلاد” العريقة بمعالمها وثقافتها، وهمة أهلها، وهي مركز الولاية.
يتحدث ربيع الهديفي عن أهم الأماكن المشهورة في حارة البلاد فيقول :”تشتهر حارة البلاد بحارتها العريقة ً أو ( الحِجرة )، و يعود تاريخ بناؤها إلى القرن الخامس الهجري ،ويعتبر العلامة الشيخ نجاد بن إبراهيم من أوائل الذين سكنوا الحارة وأسسوا بها “محلة اليمانية” سنة 470 هـ ، وأشهر ما يميز الحارة المسجد العالي، الموجود إلى الداخل من الحارة تحت برج الجص الملاصق لبيت الوالي قديماً و مقر برزته، ونقش في محراب المسجد تاريخ بناءه العائد إلى سنة 906 هـ ، وقام بنقش المحراب المرحوم عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي ، ويوجد ثلاثة مساجد أخرى بداخل الحارة وهي مسجد العين، مسجد الشراة، و مسجد الرحبة، إضافة إلى مسجد سليمان الذي يقع خارج الحارة من الجنوب، وبالقرب من مرابط خيول الولاة المشهورة للولاة المتعاقبين على الولاية، والتي كانت مبنيّة بالطين بنظام الإستطبلات .
مدينة متاكملة
ويبلغ عدد بيوت الحارة 380 بيتاً أغلبها من دورين بنيت بالطين، و بها ثمانية مجالس، وهي؛ كبيرة نسبيا كسبلة البرج، وسبلة شعبان، وسبلة الدعنين، وسبلة المطيلع، وسبلة السواويق، ومن المجالس الأخرى سبلة الصفار، وسبلة ناصر بن محمد البوسعيدي، وسبلة سعد الصقري.
ذكر الهديفي أن للحارة أربعة صباحات ( بوابات كبيرة ) كانت في الأزمنة الماضية تغلق عند الغروب، وتفتح مع أول الصباح بشكل يومي طوال السنين الغابرة وهي : صباح الرولة، في الشمال عند المدخل الرئيسي للحارة، وصباح القصّأب، وفي الشرق ويطل على سدرة البستان ، وصباح النصر، ويقع في الجنوب باتجاه الحصن الحدري ، وصباح الدعنين في الغرب باتجاه حلة المابوق ، ويقوم بحراسة الصباحات أشخاص معنيين.
وأردف؛ ويكاد لا يخلو بيتاً من بئر ذلك الوقت، ويبلغ عدد الآبار الموجودة في الحارة 250 بئراً، وبالحارة كافة احتياجات سكانها، وتكون مكتفية ذاتياً خلال الظروف والأحوال الاستثنائية، ولا يخلو جزء من أجزائها من مسمى يعرف به سواءً لمساجدها أو صباحاتها أو سككها و أزقتها و حتى بعض البيوت ، وبها أماكن مخصصة ومعروفة لطحن محاصيل الحبوب كحبوب البُر والعدس وغيرها، وبها نظام تصريف مياة الأمطار بحيث تلتقي في مصب واحد يسمى بوادي قنوت مخارجه باتجاه مكان يسمى الصافية جنوب سوق الولاية وأماكن لمواشى سكانها وأماكن لحفظ المحاصيل الزراعية.
و تابع: ومن أهم الأبراج التي كانت تحصّن حارة البلاد؛ برج الجص ويقع في المدخل الأول والرئيسي شمال الحارة القديمة (الغرفة)، ويعتبر أعلى قمة يراها القادم إلى الولاية من الجهات الأربع، وهو رباعي الشكل ذو انخراط عمودي مبني من الحصى والجص ومنه أخذ اسمه، وقد تأثر طابقه السادس بعوامل الطقس فتهدمت بعض أجزائه، ويتكون من خمس غرف كل غرفة فوق غرفة ويوجد بالغرف مصعداً خشبي يربطها ببعضها وكان يتواجد قديما في الغرفة الثانية مدفعا ضخماً تقليدياً كان يستخدم كإعلان لصوم شهر رمضان المبارك ولعيد الفطر وعيد الأضحى المباركين وكان يسمع دويّه من كافة قرى الولاية المتناثرة والمتباعدة عن بعضها نسبياً ، ويسمع صوته من الولايات المجاورة مثل ولاية إزكي و أدم ونزوى وكان باروده و أدواته تصنع بأيدي الأهالي، ومن الحصون المشهورة الحصن الحدري الذي بنيّ منذ ما يزيد عن 500 سنة وكان لفترات مقراً للولاة المتعاقبين على الولاية وهو حصن منيع ، ويقع بالقرب منه الجامع الأثري ،وهو من أكبر الجوامع قديما في المحافظة، وعلى نقوش محرابه نقش عام 941 هجري و 1534 ميلادي صاغته أيدي الفنان المرحوم عيسى بن عبدالله بن مسعود بن سيف البهلوي
وأشار الهديفي من المعالم الطبيعية التي اشتهرت بها حارة البلاد، عين البلاد، التي تروي المزارع الواقعة جنوب الحارة القديمة التابعة للحارة، ولقرية المعرى، ومنبعها الأساسي من داخل هذه الحارة القديمة بالقرب من مسجد العين .
تلاحم الماضي
ويصف الهديفي طبيعة الحياة قديمة في حارة البلاد فيقول:”كانت طبيعة الحياة في حارة البلاد قديماً سواءً خلال فصل الصيف أو في فصل الشتاء يسودها التعاون والإخاء والألفة ، ففي الشتاء ينتقل السكان من مساكنهم البسيطة المنناثرة بين بساتين النخيل خارج الحارة إلى هذه الحارة المبنية بالطين ( الطوب )، وفي الصيف يكون العكس ، و خلال فترات الإنتقال تلك تجد الجميع في حالة تعاون و تسهيل نقل الأغراض والإحتياجات ونقل المواشي من و إلى في أجواء عائلية، وانسجام وابتهاج قلّ نظيره والكل كان راضياً وقانعاً بما قسمه الله له، ولا يترددوا الأهالي من تقديم ما لديهم لبعضهم البعض رغم العوز” .
أيادي ماهرة
ومارس أهالي قرية البلاد الكثير من الأنشطة بكل شغف ومهارة،معتمدين على أنفسهم من جميع النواحي، كما ذكر الهديفي، بعضها ظل إلى اليوم والبعض الآخر انتهى بانتهاء الحقبة الزمنية في ذلك الوقت، فقد مارس الأهالي نشاط الزراعة والأنشطة المتعلقة به‘حيث تتميز الحارة بتربة زراعية ينمو عليها معظم المزروعات التي تزرع في المنطقة المحيطة، و من اأنشطة المتعلقة بالزراعة التبسيل(الفاغور)، والذي يتم عن طريق طبخ بسر نخل المبسلي، وزراعة وصناعة السكر الأحمر، و صناعة الحلوى العمانية، وتأجير حصص مياه الأفلاج (القعادة) ، وصناعة و إصلاح الأسلحة التقليدية والسيوف، وصناعة البارود، والحدادة وصناعة الأدوات اليدوية التقليدية المستخدمة في حفر الآبار، وشق سواقي الأفلاج، والحراثة، وشراطة وجَداد وتحدير النخيل وقطع الأشجار، إضافة إلى نشاط رعي الأغنام، ونشاط النساجة أو صناعة الغزول ، إلى جانب نشاط الحضية، واذي يعني حياكة الملابس و الأغطية.
و تابع : من الأنشطة الممارسة أيضا ،صناعة الفضيات و السعفيات،والفخاريات، وحراثة الأرض بواسطة الثيران، ونشاط الزاجرة( إستخراج المياة من الآبار بواسطة الثيران أو الحمير أو الإبل) ، ومهنة التصفير أي إصلاح أواني الطبخ (الصفاري) محليا وغيرها، ومهنة دباغة جلود الحيوانات لعمل أدوات مخاضة اللبن ودلو استخراج الماء من اآبار، اضافة الى استخدام هذه الجلود لصناعة الأحذية، وأحزمة الخناجر والأربطة الجلدية، وقِرب حفظ الماء، وأضاف؛ “يستخدم ثمار شجرة القرط التي كانت تتواجد في البلاد مع الملح والماء، وتترك لعدة أيام مع الجلود حتى ينعزل الشّعَر تماماً عن الجلود ثم تَنشف وتجفف وبعد ذلك يتم تفصيلها بموجب الغرض المطلوب و تسمى تلك الخلطات محلياً ( بالمونة ) .
وعن المهن المتعلق بالعمران كان يقوم الأهالي بالتجذيع، و يعني تهيئة جذوع النخيل لاستخدامها لأسقف البيوت الطينية ومهنة النجارة، بصناعة الأبواب ، والنوافذ.
تطور مستمر
ويذكر الهديفي ؛ أن حارة البلاد حظيت منذ بزوغ عصر النهضة بجميع عناصر البنية الأساسية ، وتعد قرية البلاد المركز الإداري للولاية، وتنشط حارة البلاد بالتجارة وبقية الخدمات، ومن أبرز التطورات المعمارية في الحارة بناء جامع المغفور له السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، ويوجد بالحارة مكتب الوالي، ومكتب كاتب العدل، ومكتب التوفيق والمصالحة وإدارات البلدية والزراعة، والبريد، وكلية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، إضافة إلى مقر جمعية المرأة العمانية، وتقع جميع هذه المراكز الادارية والثقافية في حارة البلاد بين حي البياض وحي الجامع.
وأشار الهديفي على أهم التطورات الرياضية والثقافية والاجتماعية ،وجود نادي الشموخ للفروسية وسباق الخيل، الذي بدأت فكرته من الذي حظي عام1998 م بمكرمة سامية ن لدن المغفور له بإذنه تعالى السلطان قابوس طيب الله ثراه بإهداء الولاية بعدد من الخيول من الإسطبلات السلطانية، حيث بدأ النادي كمدرسة ‘ وفي عام 2000م تم إعادة هيكلة المدرسة تحت مسمى جمعية منح لتدريب الفروسية تحت مظلة نادي منح ونادي البشائر، وفي عام2010م تم تكوين نادي مستقل تم إشهاره كأول نادي للفروسية و سباق الخيل على مستوى السلطنة، ويقوم أعضاء النادي بالمشاركة في مناسبات الولاية والمناسبات الوطنية،إضافة إلى تنظيم سباق العرضة التقليدي و المشاركة في سباقات إلتقاط الأوتاد و سباق القدرة و التحمل ، و للنادي إهتمامات في جانب توليد الخيل و المحافظة على السلالات العربية الأصيلة، ويسعى النادي إلى استقطاب محبي الخيل من ابناء الوطن لتدريبهم الفروسية لصنع جيل متمكن في مهارات الخيل.
وتابع الهديفي: بالنسبة للجانب الرياضي فهناك فريقي النجوم تأسس عام 1972 وفريق التضامن تاسس عام1980، اللذين يتميزن بالنشاط الثقافي والاجتماعي، وتفعيل المناشط والفعاليات والمناسبات على جميع المستويات، إلى جانب النشاط الرياضي، ويرفد الفريقين نادي البشائر باللاعبين .
ويقول الهديفي: تملك الولاية فرقة للفنون الشعبية اعتمدت لدى وزارة التراث والثقافة سابقا عام 1999 م، وتؤدي الفرقة معظم الفنون الشعبية التي تتفرد بها الولاية ومنها؛
فن الرزحة وفن العازي وأشعار التصييف (حصاد البر) وشلاّت صناعة البارود وشلات رقاط التمورتحت النخيل وأثناء جَداد النخيل، و أهازيج التعويب للنساء وجمع حطب ، كما توجد فرقة فنون نسائية بجانب فرقة الرجال.