الصحوة – شريفة التوبي
على نغم صوت فيروز التي ألهمتني عنوان المقال تتراقص أمامي كلمتان (انتحال واحتيال)، كلمتان متداولتان، متشابهتان إلا من حرف الياء في احتيال وحرف النون في انتحال، لكنهما تعطيان نفس النتيجة المرتبطة بنفس الأسباب.
الانتحال هو أن ينتحل أحدهم ما ليس له وينسبه لنفسه، اسماً، صورة، فكرة، نصاً أدبياً، قصيدة شعر أو أي شيء آخر له قابلية أن يٌنتحل، ولعلنا عرفنا الانتحال في أقذر صوره من خلال ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي وهذا الفضاء الالكتروني الذي جعل الانتحال متاحاً ومباحاً رغم تجريمه قانونياً، ولأن الانتحال والاحتيال توأمان متشابهان فأن الاحتيال يخرج من ثوب الانتحال إذا أن من ينتحل حساباً الكترونياً أو اسماً أو صورة فلا شكّ أن القصد منه الاحتيال. فما الذي يحدث؟
يدخل المنتحل على حسابات المتابعين لصاحب الحساب ويرسل لهم رسائل وهمية ويطلب أرقام هواتفهم للتواصل معهم، يصدّق البعض ويرسل رقم هاتفه لتبدأ اللعبة، وقد يتطور الأمر إلى طلب تحويل أموال أو ممارسة نوع من الابتزاز على الشخص الذي صدّقه وتجاوب معه، والشخص الحقيقي صاحب الحساب لا يعلم عن شيء مما يحدث ويدار باسمه.
وقد عمد هؤلاء المحتالون لانتحال أسماء معروفة ومشهورة للاحتيال من خلالها، لأن ذلك الاسم بالنسبة لهم الفخ أو المصيدة لاصطياد ضحاياهم، والهدف من كل ذلك هو السرقة والحصول على المال؛ من خلال وسائل ملتوية أغلبها اللعب على الجانب العاطفي لبعض الأشخاص من الرجال والنساء أو المراهقين، وبعد أن يقع الضحية في شباكهم تبدأ المساومة والابتزاز، البعض يخشى الفضيحة فيرضخ ويدفع والبعض يلجأ إلى الجهات الرسمية المختّصة ويحمي نفسه وغيره ويساعد في القبض على أولئك المحتالين وتطبيق القانون عليهم.
وكما نقرأ ونتابع عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الأخبار أن الاحتيال الإلكتروني قد وصل مدى بعيد في استغلال أولئك الذين يسعون إلى الربح السريع من خلال إنشاء شركات وهمية أو التواصل مع الأشخاص بهدف مساعدتهم أو فوزهم بجوائز معينة، متّبعين في ذلك طرق وهمية مُقنعة، ولأن الغريق كما يقال يتعلّق بقشة فأكثر هؤلاء المستهدفين يعيشون الوهم ويتخيلون أنفسهم وقد أصابتهم نفّة من سيل الثراء، ويأخذهم الطمع للحصول على المساعدة المالية أو الجائزة الموعودة، والتي تكون مغرية بدرجة أن تجعلهم على استعداد لدفع مبالغ لا تأتي شيئاً أمام قيمة ما سوف يحصلون عليه بعد تخليص عدد من الاجراءات لتسهيل عملية التحويل.
بكل أسف يظل المُستهدف تحت سيطرة المحتالين لفترة وكأنه في حالة من العمي أو التخدير، يدفع ويحوّل لهم من ماله رغم حسابه البنكي الهزيل، وقد يقترض من أجل أن يسدد ما طلبوه منه طامعاً فيما سيأتي له بعد حين، وحين يطول به الانتظار ويجد نفسه قد اكتوى بحديدة الفقر الحارقة ينتبه فيبدأ بالبحث والاتصال والتواصل، ولكن في تلك اللحظة يكون المحتال الخبير باللعبة (فص ملح وذاب)، الهواتف مغلقه، وكل قنوات التواصل لا تؤدي إليه.
وحين ينتبه البعض بأنه كان ضحية يكون قد فات الأوان إلا من استطاعت الجهات المعنية مساعدته، ولكن ولو فكّرنا قليلاً في الأمر وتساءلنا كيف وقع هؤلاء الضحايا في مثل هذا الفخ لوجدنا أن الأمر ليس لعبة ذكاء، بل استغفال واستغلال، والمحتال ليس عبقرياً، ولكن الضحية كان مغفلاً، فهو من فتح له الباب والنافذة، ومن أعطاه الفرصة.
وبكل أسف ربما لا يدرك البعض أن الجريمة تطوّرت كما تطوّر كل شيء في الحياة، وأن اللص لم يعد مضطراً لأن يشهر السلاح في وجهك ليسرق محفظتك أو بطاقتك البنكية، ولن يكسر قفل الباب ليدخل بيتك، بل سيسرقك بمساعدتك لدرجة أنك قد تغنّي من فرط الحماقة مع أبو بكر سالم (أنا سبب نفسي بنفسي، أنا الي جبت صبعي صوب عيني)، وربما ما كان ذلك سيحدث لولا الاستعراض المَرَضي لكل تفاصيل حياتك منذ رنة المنبه في أول الصباح وحتى تضع رأسك على الوسادة آخر الليل، فكيف بمثلك لا يكون مطمعاً ولا يكون ضحية؟!