الصحوة – يذكر أن الإمام مالك رحمه الله سُئل ذات مرة أكثر من أربعين سؤالًا، وهو يردُّ: «لا أعرف» إلى اثنين وثلاثين منها، وتُنسب هذه الرواية أيضا إلى غير نفرٍ من العلماء الأفذاذ ، وهذا الأمر لا يدل كما يتوهم البعض إلى تقصير منهم في طلب العلم ولا إلى تواضعهم الجم الذي يتصفون به كما يظن البعض الآخر ، بل يدل على سعة إطلاعهم وعمق معارفهم وتقديرهم للعلوم الدينية منها والدنيوية، فالعلم كما يُقال بحر عميق لا ساحل له…
في بداية مشوار طلب العلم في حياة كلٍ منا يتوهم البعض أنه على مقربة من الإلمام بمعرفة كل شي لذلك تكثر المنافسات والمراهنات على من الأعلم والأفهم والأعرف وكل ذلك يتم بقناعة شديدة بصحة رأي كل واحد منا وصواب مذهبه، ولكن ما تلبث غيوم الوهم حتى تنقشع مع طول المدارسة ودوام المطالعة ، لنكتشف أن أعمارنا أقصر بكثير من أن نلم بمجالٍ من مجال من مجالات العلم المتنوعة تنوع ورق الشجر !
لذلك فقد وردت عن العلماء الأسلاف مقولة”من قال لا أعلم أو لا أدري فقد أفتى” ، إذ حين يُسأل الإنسان في مسائل لا يُحْسنها ولم يتخصص في معالجتها فمن الجهل أن يجاوب عليها أو أن يدّعي معرفتها ،وقد ورد عن الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري”من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب”
ومقولة “لا أعلم” لا يستحْي منها سوى الجُهّال الذين يتوهمون أن طالب العلم يجب أن يعلم كل شي وإلا فإنه يُعد جاهلا ويتبارزون فيما بينهم من الأعلم ومن الأقل علما، وهذا الأمر دليل على قلة الإطلاع وقصور في النضج لديهم ،إذ أن العلم واسع سعة السماء وغائر غور البحار والمحيطات ويستحيل بالإنسان المحدود عمرا وقدرة واستطاعة أن يحيط ببعض بعض منه فإنه متى أحرز في مجال ما درجة مرتفعة أحرز في مجال آخر درجة منخفضة جدا “وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم”