الصحوة – حمد بن ناصر السناوي
في إحدى النقاشات العلمية ذكر أحد الزملاء وهو طبيب نفسي شاب أنه لاحظ مؤخرا زيادة في عدد المرضى الشباب الذين يأتون للعيادة بعد محاولة لإيذاء النفس عادة كردة فعل لضغوطات معينة أو إختلاف مع احد الوالدين أو الأصدقاء ، وخلال المقابلة التشخيصية يتضح أن المريضة أو المريض لدية مجموعة من صفات الشخصية الحدية .
وقبل الخوض في التفاصيل دعونا نذكر أن الشخصية الحدية اضطراب نفسي يؤثر على تفكير المريض تجاه ذاته و شعوره تجاه الاخرين و يؤثر بشكلٍ سلبي على مواقفه الحياتية المختلفة، فالمريض يعاني من تذبذب في تقييمه لنفسه وقيمه وأهدافه في الحياة ، والشعور في العديد من الأحيان بالذنب وانعدام القيمة وفيقوم بتصرفات طائشة ومتهورة كالمقامرة وتعاطي المخدرات وممارسة الجنس مع أشخاص مختلفين ، والقيادة المتهورة والاستقالة من وظيفة مرموقة دون مبرر، كما يعاني من تقلبات مزاجية عنيفة تتراوح مدتها من ساعات لأيام تتفاوت بين الشعور بالسعادة الغامرة إلى الشعور بالضيق والعار وفقدان الأعصاب والسيطرة على الأفعال والانفعالات نتيجة الغضب الحاد. فالشخص المصاب بالشخصية الحدية يعاني من عدم استقرار في العلاقات العاطفية التي تتأرجح بين تعظيم الشريك والشعور بعدم قيمته.
كما يعاني أيضا من عدم الشعور بالأمان في العلاقات الاجتماعية وتسيطر علية فكرة الهجر فقدان الأصدقاء والاحبة والميل للتصرفات الاندفاعية والانتحارية بسبب الهجر، و الشعور المستمر بالخواء والفراغ العاطفي . هذه الاعراض تبدأ في مرحلة البلوغ أو سن المراهقة مما يسبب تحديا للمراهق والمحيطين به وتقل هذه الأعراض في منتصف العمر ، ويكون أصحاب الشخصية الحدية أكثر عرضة للإصابة بامراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق، واضطراب ثنائي القطب ،و اضطراب الأكل، و إدمان المخدرات والكحول، ومحاولات الانتحار وتعثر في الدراسة والعمل و مشاكل في العلاقات الاجتماعية بسبب التهور المبالغة في تعظيم الطرف الاخر ثم نسفه لأتفه الأسباب.
تعدد النظريات حول أسباب ظهور الشخصية الحدية بين الاستعداد الوراثي و وجود خلل في مناطق الدماغ المسؤلة عن العواطف والمشاعر، بينما تذكر نظريات أخرى دور التجارب الحياتية خاصة في مرحلة الطفولة في تكوين الشخصية الحدية فالدراسات النفسية تذكر تعرض أصحاب الشخصيات الحدية للاساءه والإهمال و سوء المعاملة بل حتى المبالغة في تدليل الطفل وتلبية جميع رغباته وكأنه أمير أو أميرة ، وعدم تقويم سلوكه عندما يخطئ ، هذا النوع من التربية يجعل الطفل يكبر على وهم أنه مميز ويجب على الجميع أن يحبه ويسعده لكن عندما يخرج الى العالم الخارجي ويختلط مع زملاء الدراسة يشعر بالصدمة لان هناك من لا يعامله بنفس التقديس فيشعر بالصدمة ويحتار في التعامل مع الموقف.
نعود الى التسائل هل فعلا نواجه زيادة في أصحاب الشخصيات الحدية ، وما هي الأسباب وراء ذلك ؟