الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
لا نذكر جديداً إذا قلنا أن مقابلة المسؤول للمواطنين والاستماع إلى طلباتهم وشكاواهم ، واجب عليه ، واجب تفرضه أمانة المسؤولية التي يحملها على عاتقه ، والتي أقسم على أدائها كاملة ، فهو بحكمها مكلف على رعاية مصالح المواطنين وتلبية احتياجاتهم وحل مشاكلهم – إن وجدت ، بل هي كثيرة -، وهو حق أصيل من حقوق المواطن بنص النظام الأساسي للدولة والقوانين المنظمة لأداء المرافق العامة ، ناهيك عن كونه حق ديني وأخلاقي وأدبي .
وليس من المقبول على الإطلاق أن يعتقد المسؤول بأنّ مقابلة المواطنين منة يمتنّها عليهم ، أو يعتبرها تفضلاً منه يتفضل بها عليهم ، فذاك لعمري فكر المسؤول الفاشل والمستكين إلى وظيفته ، يفتقر الإبداع وأدنى أسس القيادة أو الإدارة الناجحة الراشدة ، كما أنه من غير المقبول أيضاً ، أن تأتي في أدنى سلم أولوياته ، وإنما يجب أن تكون على رأس هذا السلّم ، فالإدارة لا تكون ناجحة إلا إذا كانت لخدمة الناس وتلبية متطلباتهم ، ومن يظن خلاف ذلك فهو واهم لا يفقه أدنى أصول الإدارة الحديثة .
لقد وجّه جلالة السلطان الهيثم المعظم حفظه الله ، كافة المسؤولين من خلال مجلس الوزراء بضرورة الالتقاء بالمواطنين والاستماع المباشر إليهم ، فهم جميعاً إنما وُجدوا على كراسي الوظيفة العامة من أجل المواطن ، فالوظيفة تكليف وليست تشريفاً .
ولا يسوغ أبدآ تذرّع بعض المسؤولين بكثرة الأعمال والارتباطات ، فإن من حُسن الإدارة ، ومن صفات المسؤول الناجح ، تنظيم المسؤول لعمله ، هذا من ناحية ، ثمّ أنّ مقابلة المواطنين يجب أن تكون من صميم عمله وارتباطاته ، من ناحية ثانية ، وحتى المواطن لديه أعمال وارتباطات ولولا الحاجة لما طلب مقابلة المسؤول من ناحية ثالثة ، ولا يُقاس العمل بكثرة الاجتماعات ولا بكثرة الظهور الإعلامي ، الذي أصبح من اهتمامات كثير من المسؤولين .
إنّ بعض المسؤولين يُطوقون أنفسهم بمجموعة من الحجّاب – المنسقين ، والحُجُب المتمثلة في الأوامر والنواهي الداخلية – ممّا جعل هؤلاء المنسقين ومدراء مكاتب المسؤولين ، يتصرفون بالأصالة عن المسؤول ويصنفون الناس طبقات ، بحسب مراكزهم الوظيفية أو مراكزهم الاجتماعية ، فمن كان ذا حظّ حسب التصنيف الذي وضعوه ، يقابلونه بالترحاب وسرعة الاستجابة له ، أما المواطن العادي ، صاحب الحظ العاثر في التصنيف المذكور ، فسيسأل عشرات الأسئلة عن سبب المقابلة ، وسبخضع لتحقيق مذلّ ، وستُخلق له مئات الأعذار لصرفه عن طلب المقابلة . والحقيقة أنّ الخطأ لا تتحمله هذه البطانة لوحدها بل يتحمله – بالقدر الأكبر – المسؤول الذي ترك لهم الحبل على الغارب ، فتمادوا حتى سرقوا من المسؤول أهم اختصاص له بموافقته للأسف الشديد .
لقد أشرت في مقال سابق أنّ ملازمة جلوس المسؤولين على الكراسي الوثيرة ، وخلف أبواب المكاتب الموصدة بالأقفال المشفرة بالأرقام السرية ، لن تضمن ملكيتهم لها ، فالكراسي زائلة ، والمناصب غير دائمة لأحد أبداً إن عاجلاً أو آجلاً ، ولن يبقى لهم إلا ما سيذكره الناس من خير فعلوه ، أو سوءًا ارتكبوه ، ولن ينفعهم حجابهم الذين سلطوهم على رقاب المواطنين .
إنّ احتجاب المسؤولين في مكاتبهم الفسيحة عن المواطنين وعدم الالتقاء بهم ، يخلق فجوة كبيرة بين المجتمع والإدارة ، تؤثر بلا أدنى شك في تماسك الوحدة الوطنية ، وتباعد المسافة التي يجب أن تكون متصلة حتى تقوى العلاقة ويتفهم كل طرف ظروف الأخر .
ولعل من المناسب أن تكون أحد عناصر تقييم أداء الوحدات الحكومية ، يكون في تفعيل الوحدة الحكومية لمقابلة المواطنين والانفتاح على المجتمع بشكل مستمر ومنظم ودون تعقيد أو عوائق تحول بين المواطن والمسؤول ، فعلى ما يبدو لن يولي المسؤولون هذا الأمر أهمية ، إلا إذا ايقنوا وأدركوا بأنّ مقابلة المواطنين من صميم عملهم ، بل هو دليل على الإدارة الناجحة ، والقيادة المتميزة ، التي تسعى أن يكون جهدها مكللاً بالنجاح ،. ويحسه المواطن في ضروب عمله اليومي .
وفي نهاية المطاف ، لا بدّ من اسأل عموم المسؤولين ؛ هل تدركون فعلاً حق المواطن في مقابلتكم متى شاء ، وأنّ ذلك واجب عليكم ، أم ستتركون حجّابكم يقررون عنكم ؟ وأن حُجُبَكم ستظل تستر عنكم حقيقة واجباتكم وحقوق المواطنين ؟! سأكون حسَن الظن بكم ، فلا زلت أراكم بخير ، وأراهن أنكم لن تخذلوا مواطنيكم ، فإن فعل البعض عكس ذلك ، حينها ، فإنّ قلمي وأقلام المخلصين لن تدعهم ، وستنطلق العبارات بالتصريح سياطاً موقظة ملهمة ، ولن تكتفي بالتلميح الخجول ، حينها سيتضح جلياً وجود عدد من المسؤولين لم يدركوا حتى الآن معنى المسؤولية ، ولم يستوعبوا بعدُ التوجيه السامي بأهمية التواصل والاتصال بالمواطن . وهؤلاء لن يجدوا منا إلا الصراحة الواضحة فقط ، فقد انتهى زمن التورية ، بحجة أنهم سيقرؤون ويفقهون ماذا بين السطور .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته