الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
تعجبني بعض الأمثلة العربية خاصة عندما تحتوى على رسالة ذات معنى ويكون لها وقع موسيقي على الأذن ، من هذه الأمثلة التي عادة ما أستشهد بها في بعض محاضراتي المثل القائل ” إسأل مجرب ولا تسأل طبيب” لكني أضيف اليه “فما بالك عندما يكون المجرب طبيبا. قبل أن تستغرب عزيزي القارئ من إستشهادي بهذا المثل خاصة وأن البعض قد يجد فيه تقليل من قدر الطبيب والعياذ بالله لكنني أستشهد به للتأكيد على أهمية ان يستمع الطبيب لمريضة ويقضي الوقت الكافي لشرح التشخيص والخطة العلاجية ، و كيفية إستفادته من العلاج ام لا ،وهل شعر بالآثار الجانبية ، فالمريض هو الذي يتناول العلاج لذلك يجب أن نقدر ما يقوله ولا نسارع في طمئنتة دون الاستماع جيدا.
أرسل لي أحد الزملاء فيديو لاحد مشاهير اليوتيوب يحكي قصة أبنه الذي ظهرت عليه أعراض إضطراب فرط الحركة وزيادة النشاط وكيف أثرت تلك الاعراض على تحصيله الدراسي وعلاقته بمن حوله والمراحل التي مر بها للحصول على التشخيص والعلاج المناسب و كيف إكتشف المذيع وجود نفس الاعراض لديه هو دون أن يدري بوجودها ، هذا الاكتشاف ساعده على فهم سلوكه و طلب الاستشارة من الطبيب النفسي والتعامل مع الاعراض ، إختار هذا المذيع أن يشارك متابعيه بتجربته وأضاف اليها معلومات علمية مبسطة تساعد على فهم المرض وأعراضه فخرج بحلقة رائعة أستشفاد منها العديد من المشاهدين .
ولايقتصر لقب المجرب على المرضى فأحيانا يكون المجرب الشخص الذي يعيش مع المريض و يساعده في نشاطاته اليومية ، وهو ما يحدث عادة مع مريض الزهايمر الذي يحتاج الى رعاية خاصة وقد تظهر لديه بعض السلوكيات المضطربة مثل الأرق أو الصراخ أو القلق الشديد أو رفض الطعام ، هنا يجب أن نستمع لمقدم الرعاية و نعرف كيف يتعامل مع هذه الأمور فربما نستفيد من تلك الطرق و نشاركها مقدمي رعاية آخرين يمرون بظروف مشابهه من هذا المنطلق نشأة فكرة جلسات الدعمي النفسي الجماعية التي يقوم المشاركون خلالها بتبادل الخبرات بينهم ويتعلمون من بعضهم البعض و يتشاركون في تقديم الدعم النفسي فهم ادرى بالظروف والتحديات التي يمر بها كل منهم مهما إختلفت بعض التفاصيل.
من هذا المنطلق أيضا ظهر في الدول المتقدمة مؤخرا مصطلح “خبير بالتجربة ” و يطلق على شخص مر بتجربة معينة وخرج منها ببعض الدروس التي يمكن أن تساعد الاخرين ، ففي بعض الأحيان يتم دعوة أحد المرضى المتعافين من مرض معين ، لنقل اضطراب ثنائي القطب ليشارك لجنة من الأطباء تجربتك الشخصية عند ترقيدة في المستشفى مثلا ، أو متابعته في العيادة الخارجية ، أو حتى سبب رفضه لعلاج معين ، ومن ثم يقوم الأطباء بتحليل تلك المعلومات لتحسين مستوى الخدمة التي يقدمونها، كما يشارك المرضى المتعافين أيضا في نشر الوعي الصحي عن الأمراض ، أذكر أننى حضرت مؤتمرا عالميا كان من ضمن المتحدثين فيه سيدة أصيبت بأكتئاب ما بعد الولادة ، تحدثت عن تجربتها والمعاناة التي مرت بها ، اذكر بالتحديد عندما ذكرت شعورها بقمة العجز و رغبتها في إلقاء طفلها الرضيع من أعلى السلم ، وكذلك عجزها عن شرح الاعراض التي تمر بها لزوجها الذي كان منغمسا في العمل ، وفي آخر المحاضرات عرضت صورة لطفلها الذي أصبح شابا الان، رغم أن المؤتمر مر عليه أكثر من خمسة أعوام الا أنني لازلت أتذكر حديثا لانها كانت صادقة في الحديث عن تجربتها.
رغم ما ذكرته سابقا الا أنه يجب علينا أن المجرب يعرف عن حالته هو بينما الطبيب ،بالإضافة الى دراسته التخصصية وخبرته يجمع تجارب العديد من المرضى ،لذا دعونا نغير المثل الى “إسأل مجرب و إسئل طبيب.