الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
بصدور المرسوم السلطاني رقم ٢٠٢٢/٣٥ بشأن تنظيم إدارة شؤون القضاء دخلت سلطنة عُمان مرحلة جديدة من مراحل السلطة القضائية، والتي تتمثل الان في المجلس الأعلى للقضاء ونظامها القضائي الواحد وليس المزدوج كما كان قبل هذا المرسوم، والذي يندرج تحته جميع المسائل والدعاوى والتفرعات القضائية المختلفة عدا ما هو متعلق بالجرائم العسكرية التي ينظرها القضاء العسكري، بل ويشمل المجلس تحت إدارته جهاز الادعاء العام والمعهد العالي للقضاء وسائر أنواع ودرجات المحاكم ودوائرها؛ ومما لاشك فيه أن هذا معناه إحداث تغيير واسع في نصوص القوانين ذات العلاقة، بل وفي شكل والاجراءات الهيكل القضائي، مع تحقيق استمرار فصل السلطة القضائية فصلًا موضوعيًا وشكليًا وضمان استقلاليته التامة.
لاشك أن أهداف رؤية عُمان ٢٠٤٠ وما تقتضيه اعتبارات العدالة والمصلحة العامة والإنسان كانوا المحرك والدافع وراء هذا الاستحداث الذي استقبله المجتمع بتفاؤل على اعتبار أهدافه وأسباب تشريعه والذي من بينه:( العدالة الناجزة، تجويد العمل القضائي، حسن الإدارة والتنفيذ والرقابة والتقيم على المرافق القضائية وغيرها …)،كما استقبل من قبل المتخصصين بشيء من الحياد الذي يجمع ما بين القبول والفرح وما بين الحرص والتحفظ الذي يتكون عادةً بسبب ضمان أفضل الممارسات والذي سيخضع لكثير من التحديات العملية وهذا أمرًا لا مفر منه لطالما كان العمل إنساني فسيبقى أقل من الكمال، ومع ذلك وجهت نصوص المرسوم السلطاني نائب رئيس المجلس اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لتعديل القوانين والمراسيم السلطانية ذات الصلة بالقضاء بما يتفق وأحكام هذا المرسوم، وذلك خلال مدة لا تزيد على عام من تاريخ العمل بهذا المرسوم، وأجاز تجديدها لمدة أخرى ولكن بموافقة السلطان، وإلى صدورها أو إدخال التعديلات اللازمة للمواكبة، يستمر العمل باللوائح والقرارات المعمول بها حاليا بما لا يتعارض مع أحكام المرسوم الجديد.
إن المجلس الأعلى للقضاء شخصية اعتبارية مستقلة تشمل وتنظم كافة عناصر المنظومة القضائية والتي من بينها:( أعمال المحاكم المختلفة بجميع دوائرها، وعمل والادعاء العام، وأعمال المجالس القضائية الفرعية، وشؤون موظفي المرافق القضائية المختلفة…)، وفي وعلاوة لذلك بجانب تلك القوانين الموضوعية المتعلقة بالسلطة القضائية بحلتها الجديدة، وكذلك القوانين الاجرائية التي من أبرزها قانون الاجراءات المدنية والتجارية، وقانون الاجراءات الجزائية، ضم المرسوم إليها قانون للإجراءات الإدارية حتى يكون مواكبًا للمرحلة الجديدة؛ كما فوض المرسوم المذكور نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بصلاحيات عديدة لاسيما تلك المتعلقة بإدارة المجلس والأمانة العامة لها ومهامها الوظيفية المختلفة، أسندت إليه مسألة إصدار اللوائح والقرارات التي تندرج تحت هذه السلطة وهذا الاختصاص.
من خلال القراءة المتمحصة لمرسوم إدارة شؤون القضاء نستنتج البعد الفكري والأهداف البعيدة التي ترجوا القيادة إلى تحقيقها، فضلًا عن مؤشرات الكفاءة والجودة والحوكمة واقتصاد الوقت والتكلفة التي تحرص من خلالها ضمان أفضل الممارسات، واللذين يبدوان قد خطط لهما بإحكام وسلاسة تناسب المرحلة؛ إلا أن هذا لا يعني وجود اسئلة معلقة لا نعرف لها أجوبة، بل سنكتشفها مع خوض غمار هذا المسار الجديد، ومما لاشك فيه أن ذلك أيضًا يدفعنا إلى تعجيل استكمال الدراسات والابحاث حول النواقص والاحتياجات كوجود محكمة دستورية على سبيل المثال لا الحصر، وهذا الأمر بكل تأكيد يحتاج إلى تكاتف الجهود لاسيما من المتخصصين والمؤسسات المتخصصة، فبعد تسمية سلطة قضائية عليا لها نظام معروف ومهام محدد تحتوي كافة المؤسسات والأجهزة القضائية تحتها لتديرها وتراقبها وتقيمها وتحاسبها، لا نستطيع تجاوز تلك الجهود المبذولة التي وإن كانت واجبة في عين القانون إلا أنها بعين الأخلاق تستحق التقدير والاحترام، وفق الله عُمان وشعب عُمان لما فيه الخير.
ملاحظة: لمتابعة المرسوم السلطاني المذكور بصورته الكاملة، أرجو عدم التغاضي عن النظر في الملاحق التي ستصدر لاحقًا عن صدور القانون.