الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
قرأت في الخطاب الثاني لجلالة السلطان الهيثم المعظم حفظه الله، توجّه الدولة إلى نظام الإدارة المحلية، أو ما يُعرف أيضاً بنظام اللامركزية الإدارية الإقليمية، وتحولت هذه القراءة من مجرد قراءة فاحصة، إلى يقين مفعم بالأمل؛ وذلك عندما صدر النظام الأساسي للدولة بالمرسوم السلطاني رقم ٦/ ٢٠٢١م، إذْ أفرد المادة ٦٤ للإدارة المحلية، والتي تنص على أن ” تنظَّم النطاقات الإدارية للدولة وآليات عمل الإدارة المحلية بمراسيم سلطانية، وتنظم المجالس البلدية وتحدد اختصاصاتها وفقا للقانون “.
وكان واضحاً من مضمون هذه المادة، توجّه الإرادة السامية لجلالة السلطان المعظم إلى المضيّ قدماً نحو مرحلة جديدة من التنمية الشاملة والمتوازنة لكافة محافظات السلطنة، في ظل نهضة متجددة لا تستأثر فيها محافظة دون أخرى، قوامها العدل والتوازن .
وتكريساً وترسيخاً لهذا التوجّه السلطاني، صدر مؤخراً نظام المحافظات بموجب المرسوم السلطاني رقم ٣٦/ ٢٠٢٢م، وهو بحق يُعدّ نقلة نوعية في العمل الحكومي بصورة عامة، ونقلة نوعية خاصة في مفهوم تطبيق نظام الإدارة المحلية أو اللامركزية الإدارية بالشكل الصحيح، وقد وضح ذلك جلياً من منح كل محافظة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ، ومن تخصيص موازنة مستقلة لكل محافظة ترفدها الاعتمادات المالية التي تخصص لها في الميزانية العامة للدولة، ومقابل الخدمات التي تقدمها المحافظة للغير، وعوائد استثمار أموالها، ونسبة من رسوم البلدية يحددها مجلس الوزراء، بالإضافة إلى الهبات والإعانات، والمنح التي يقبلها المحافظ بموافقة مجلس الوزراء .
وتأكيداً لما نقوله فقد منح النظامُ الأساسي للدولة المحافظَ اختصاصاتٍ واسعةً في نطاق المحافظة التي يديرها، وباختصار، يمكن القول، إنّ القرار بشؤون ما يخص المحافظة سيتخذ في المحافظة نفسها ، في صحار، والرستاق، وخصب، والبريمي، وعبري، ونزوى، وصور، وابراء، وصلالة، وهيما، وليس في مسقط كما كان في السابق، فيما عدا طبعاً قرارات التنمية الاستراتيجية الوطنية.
إنّ مفهوم الإدارة المحلية هذا، سيخلق بيئة واعدة ومشجعة لتنفيذ المشاريع التنموية المحلية، كما سيخلق مناخاً تنافسياً بين المحافظات، وسيرسخ مبدأ الشراكة المجتمعية، الذي سيعزز روح الانتماء والاحساس بالمسؤولية لدى الأفراد باعتبارهم شركاء في صنع القرار المحلي والوطني، وهذا يقوي من اللحمة والوحدة الوطنية، بالإضافة إلى ظهور كوادر طيبة ذات أفكار إبداعية تسهم في تطوير المحافظات، ولعلّ هذا ممّا لم يغبْ عن بال مولانا المعظم.
وما من شك، إنّ أي نظام جديد سيواجه في بداية تطبيقه بعض الصعوبات الإدارية والفنية، ولكي نتغلب على ذلك لا بد من توافر العوامل الآتية:-
١- تفهّم الحكومة بكل مؤسساتها وقطاعاتها للإرادة السامية التي يرجوها، للبدء في مرحلة جديدة من البناء والتطوير والتحديث، في كافة ميادين ومجالات الحياة، وأن تدفع بنظام الإدارة المحلية قدماً، وتأهيل وتدريب المحافظين، وتوفير كافة سبل العون والمساندة.
٢- إدراك المحافظين للمهام الجسام التي أُنيطت بهم، والثقة السامية التي أَولاهم إياها سلطان البلاد المعظم، فلم يعُد لديهم بعد الآن مجالٌ للتذرع، بحجج واهية، كعدم وجود الصلاحيات، وليس أمامهم إلا العمل أو الاعتذار عنه، فلا وقت للأعذار والمبررات بعد اليوم، وإلا اعتُبر فافداً للأهلبة والمسؤولية، وعليه ففاقدُ الشيء لا يعطيه. واللبيب بالإشارة يفهمُ .
٣- رفد مكاتب المحافظين بالخبراء المتخصصين، وخصوصًا في مجالات الاقتصاد والخطط التنموية، لدواعي التخطيط السليم المبنيّ على أسس علمية وموضوعية تؤتي بثمارها كل حين .
٤- إلغاء المحافظ للحجُب وللبوابين، وفتْح أبوابهم للمواطنين بكافة شرائحهم، والاستماع إلى أفكارهم ومقترحاتهم وملاحظاتهم، ولعلّ تخصيص يوم معين لمقابلة المواطنين سيكون أمراً مثالياً، وسيقلل من المسافات والمساحات المصطنعة بين المحافظ وأبناء المحافظة .
٥- الحذر ثم الحذر من بطانة السوء التي تزين للمحافظين كل الأمور وتوهمهم بتمام كل شيء، وأن الأسود أبيض، فوالله ما أفلح مسؤول كانت بطانته بطانة سوء، وهؤلاء من السهل معرفتهم إلا إن أرادهم المسؤول لحاجة في نفسه هو.
٦- تقييم أداء المحافظين بين فترة وأخرى، وإعفاء من لم يستطع مواكبة المرحلة الجديدة، فالمنصب ليس للتشريفات والبروتوكولات وللقطات الإعلامية الزائفة .
٧- إعادة النظر في الاختصاصات الممنوحة للمجالس البلدية، حتى تكون شريكاً فاعلاً في محافظاتهم .
إننا أمام مرحلة جديدة من مراحل نهضة عمان المتجددة، يريد لها جلالة السلطان الهيثم المعظم أن تكون مرحلة فارقة في النهوض بعمان وتوفير سبل العيش الكريمة للمواطنين في كل شبر من أرض الوطن، فإما أن نكون على قدر المسؤولية، أو أن نفسح المجال لمن لها أهل .