حوار خاص بالصحوة –
- هناك فجوة بين ما يُراد من هذا الإعلام وبين ما نتمناه منه
- صلاح وحميد وصلا بشكل أو بآخر إلى ثنائية الواحد الصعبة التفكيك
- الشاعر العماني منافس للغة والصورة والابتكار والحسّ والشعر والشاعرية
- الأزمة الخليجية فادت فريق العمل القطري الخاص بـ 2022 أكثر مما ضرته
- ما فعله إعلام نظام صدام حسين قبل وأثناء غزوه للكويت كان صورة طبق الأصل مما يحدث بين الإعلام الخليجي الآن
عُمان أرض ولاّدة للمبدعين، وفي حوار الصحوة نحاول دائمًا بأن ننقل لكم نماذج عمانية استطاعت أن تشق طريقها نحو النجاح وأن تضع لنفسها أثر وبصمة في خارطة الإبداع العربي. وفي حوار هذا الأسبوع كانت لنا الفرصة أن نحاور المبدع الذي يؤمن بقوة الكلمة وأثرها، فكان له بصمة في الشعر والأغنيات والإعلام.. في ضيافة حوار الصحوة الإعلامي والشاعر حميد البلوشي.
حميد وشغف التجربة
عرفنا حميد البلوشي مذيعًا ومقدمًا للبرامج الثقافية والرياضية، وشاعرًا وكاتبًا للأغنيات، من بين كل هذه الشخصيات أين يجد حميد نفسه أكثر؟ يقول البلوشي ردًا على تساؤلنا ” في كل ما يعكس ذات حميد أجد نفسي، وهذه الانعكاسات عديدة ومختلطة بطبيعتها، والذات متحققة في الإعلام، في الشعر، في الصورة الفوتوغرافية، في الاستماع لنغم، في قراءة سطر، وفي وفي وفي ..هناك تقريبًا 25 حميد وأكثر بداخل حميد، من الصعوبة – وتصل أحيانًا لدرجة الاستحالة – فصل حميد عن حميد آخر منهم، أو تفضيل حميد على حميد آخر فيهم! “. ولأن أكثر من 25 حميد داخل حميد فإنه دائم التجدد، وقد نتج عن ذلك اتخاذه خطوة جريئة في 2006 حينما قرر هجرة أرض السلطنة والانتقال إلى دولة قطر، وعن ذلك يقول “الباحث عن فضاء جديد وحياة وتجربة جديدتين لن يتردد في اتخاذ خطوة تدفعه لهما إذا توفرت هذه الخطوة وتوفرت بيئتها ، وقتها – أي في 2006 – وعلى الصعيد المهني وجدت أنه من الضروري أن أدفع بدمٍ جديد في الشرايين ، لا بد وأن استكشف ما أملك من إمكانيات – وهي متواضعة – استكشفها وأنمّيها في مدار مجرّة إنسانية وعمليّة جديدة ، كانت مغامرة لا سيما مع تحقق وضع معين كنت موجود عليه في السلطنة وقتها ، إلا أن شغف التجربة وتوفر الثقة في الإمكانيات الشخصية والطموح كان أقوى من التردد ، لذا سبحت باتجاه شاطئ جديد وها أنا فيه سعيد”.
هل يعود حميد للإعلام المحلي؟
المتابع العماني دائمًا ما يفخر بالسواعد العمانية المبدعة خارج حدود الوطن، ويكرر سؤاله الدائم المتعلق بالعودة، فهل خيار العودة وارد عند البلوشي؟ يجيب قائلا ” سؤال العودة تكرر كثيراً وبالمناسبة هو يتكرر على الذات أكثر مما يكرره الناس على هذه الذات! ببساطة ومن حيث الإمكانية والممكن الإجابة في منطقها تأتي (نعم) من باب أن كل شيء ممكن، ولكن هذا الممكن غير متوفر للآن، فظرفه لم يحن بعد أو لنقل لم تتوفر البيئة الدافعة لتحققه، واذا قفز سؤال آخر يقول: حسناً ومتى سيتوفر هذا الممكن؟ سأقول بكل وضوح: لا أعلم صدقاً، وصدقاً أيضاً أنا انتظره معكم ومثلكم قد يأتي وقد لا يفعل! “
الإعلام العماني ليس في خارطة التنافس الإعلامي الإقليمي
مع التغيير الحاصل في الخطاب الإعلامي المحلي عبر وسائله المختلفة، كيف يقيم حميد البلوشي هذا التغيير؟ يجب البلوشي قائلا “معياري الشخصي في مجال تقييم الإعلام العماني من حيث تطوره هو في انتقاله من خطابه الموجّه للمحلية إلى خطاب يتوجّه للآخر ويدخل في التنافسية، هذه التنافسية أرى أنها لم تتحقق بعد”، ويوضح البلوشي مقصده عن تنافسية الإعلام العماني “لا وجود للإعلام العماني على خارطة التنافس الإعلامي الإقليمي واعني بالتنافسية هنا ذلك الطرح الذي يجعل إعلامنا منصّة ذات بعد تسويقي ومعرفي يعكسنا باحترافية ذكية للخارج ، يعكس ثراء عمان الإنساني والمعرفي والبيئي والنفسي والتاريخي والسياسي والحضاري”، ويعتقد البلوشي أن الإعلام العماني لا ينافس إلا نفسه وهذا ما فرضته التقنية الحديثة “في الوقت الحالي لا أجد أننا ننافس إلا أنفسنا داخلياً وهذا لا أضعه في خانة تطور الإعلام، ما هو موجود حالياً هو انتقال من غرفة إلى أخرى ولكن في ذات البيت وحتى هذا الانتقال فرضته ظروف التقنية الحديثة وظروف التلقّي الجديدة كمواكبة لها”.
ويضيف البلوشي “نعم هناك مواكبة في البعد البصري والسمعي والإلكتروني الحديث تقنياً ولكن بنفس الاستراتيجية السابقة وهي (من الداخل وإلى الداخل وإذا تصادف أن شاهدنا أحد من الخارج فخير وبركة)”، وتوضيحا لذلك يقول “تأتي علينا فترات ننتفض عجولين ، ساخطين ، غاضبين ، عندما نستشعر أن هناك من يهدد مكوننا ويحاول أن يعبث به، عندها نلجأ إعلامياً الى الصوت العالي المزدحم بثيمة الدفاع عن النفس ، هذا جيد في الحقيقة وهو طبيعي إلى حدٍ ما ولكن غير الجيد وغير الطبيعي أن انتفاضتنا تلك تأتي بأدوات وأفكار ونطاقات اشتعال تحمل صفة ردة الفعل وليس الفعل نفسه ، تخاطب الداخل الذي يعلم من نحن ولا تخاطب الخارج الذي لا يعلم من نحن أو يعلم من نحن ولكنه يتعمد أن يمعن في تهجّمه ونحن نعلم أنه يعلم بأننا نعلم أنه يعلم من نحن!”.
وإلحاقًا بسؤالنا السابق، فما هو رأي حميد بنجاح الإعلام المحلي بأن يكون إعلام المواطن، يرد حميد بسؤال “ماذا يُراد من الإعلام العماني بصيغتيه الحكومي والخاص، هل هو إعلام تنموي يرافق اشتغالات المؤسسات أم إعلام نقد لهذه الاشتغالات التنموية – ذلك النقد الذي يدفع بالتنمية إلى الأمام محاسبةً ومتابعة؟” ويكمل مجيبا على تساؤلاته “اتصور أن الإجابة على السؤال حسب فهمي هي في الشق التخييري الأول، هذا خط واضح منذ بدأ الإعلام لدينا حركته العصرية، إذن فسؤال: (هل الاعلام العماني يمثل إعلام المواطن؟) – ولتسمحوا لي – لا فائدة منه وبالتالي الإجابة عليه ستنقسم إلى نعم (حكومية) ولا (جماهيرية)، ما أطرحه هنا هو محاولة فهم حتى لا نحمّل جدليّة النعم الحكومية والـ لا الجماهيرية ما لا تحتمل، ويظهر في الصورة أن هناك فجوة بين ما يُراد من هذا الإعلام وبين ما نتمناه منه، ذلك أنه عندما نعود لأصل الأشياء تتضح الصورة أكثر”.
مشروع نجم الأغنية العمانية
لمتابعي الفن ومستمعي الأغاني الخليجية بالتأكيد مر عليهم ثنائية الأغنية حميد وصلاح، وهنا يتبادر بالأذهان سؤال: لماذا حميد وصلاح؟ يقول حميد ” بدأ الأمر بأن صلاح اختارني له كفعل الكتابة ولاحقاً تطور الأمر إلى أن اخترنا نحن الاثنين أن نشتغل على مشروع طويل الأمد، مشروع ذاتي لصناعة نجم أغنية عماني بمقاييس ومعايير عالية الجودة ، ذلك أن هذه الفكرة لم يشتغل عليها أحد منذ أن تم تصدير المرحوم الاستاذ سالم بن علي سعيد كصوت عماني للأخر” ، ولأن الشغف هو ما يجمع الاثنين فإن هذا المشروع مستمر للآن “شغفنا وعلاقتنا الإنسانية كأصدقاء وحبنا لما نفعل واستمتاعنا به أصبح مع الوقت وقوداً لهذا المشروع ، مستمرون به لأنه يعكس أرواحنا للجمهور ونرى أنفسنا فيه واعتقد أننا نتطور فيه بالتدريج ضمن سياق تراكم التجربة الفنية ونضج المراحل ، يسندنا فيه دعم جمهور عريض نكنّ له كل الحب ونستفيد من ملاحظاته وتشجيعه”. وعن نجاح أغنيات صلاح التي كتب كلماتها حميد نتساءل من كان سببا في ذلك؟ هل شهرة الفنان صلاح الزدجالي أم قوة وابداع كلمات الشاعر حميد البلوشي، هنا يقرر حميد بأن يخرج من عباءة الشاعر وكاتب الكلمات ويرد وهو مرتد لعباءة المتلقي فيقول “سأضع نفسي خارج دائرة الإسهام الذي يكوّن ثنائية اعمال صلاح وحميد ، سأكون المتلقّي وفقط ، كمتلقي لأعمال هذين الاسمين في ثنائياتهما ، ارى إنهما عجين واحد ، كتلة واحدة ذات مكونين اثنين وقد يكون أكثر من اثنين يصعب تحديد الفضل لأيهما تماماً”، وتأكيدا لرأيه، يذكر لنا حميد مثالا عن الثنائية الخالدة فيروز والأخوين الرحباني “كمثال – وهنا طرح متجاوز – تماماً ، كالحالة الرحبانية مع فارق التشبيه العظيم طبعاً ، إذا طرحنا سؤال من الذي رفع من قيمة الأخر فيروز أو الأخوين الرحباني؟ سنجد أنفسنا ونحن المتذوقين لهذه المدرسة الفنية الوارفة ، نقول : أن كل منهما أي كل من فيروز والأخوين الرحباني قد صعدا بالأخر ومعه وفيه إلى قمة الطود الفني الصعب “، ويضيف “صلاح وحميد وصلا بشكل أو بأخر إلى ثنائية الواحد الصعبة التفكيك لدرجة أن حميد يُعدّل في التوزيع الموسيقي وفي الجمل اللحنية التي يضعها صلاح وصلاح يُعدّل في الكلمات والمواضيع التي يصيغها حميد ، واصبح من الصعوبة استساغة عمل صلاح منفرداً دون حميد وعمل حميد منفرداً دون صلاح ، هناك كيمياء بينهم نلمسها نحن كمتلقين لا نعرف اسبابها برغم انهما – صلاح وحميد – يحاولان أن يشرحاها في كل لقاءاتهما ، هذه الكيمياء تُخرج لنا نتاج نستمتع به ونصفق له ..هذه إجابة المتلقي البلوشي حميد وهو ليس الشاعر حميد البلوشي بالمناسبة !”.
الشاعر العماني يعود للمنافسة الخليجية مع الإعلام الجديد
ولأن حميد البلوشي شاعرا فكان مهما للصحوة أن نستمع لرأيه وتقييمه عن الساحة الشعرية في عمان، وهنا يقول “سأكون مختصرا وصادقاً متابعتي للساحة الشعرية العمانية لم تعد تتجاوز السوشل ميديا عبوراً وليس وقوفاً على نشاطها وهذه المتابعة ناقصة جداً حتى احكم بتقييم ، فقط كملاحظة عامة وعامة جداً اقول أن تجربة حداثة الشعر الشعبي والنبطي التي ظهرت في التسعينيات يبدو أنها لم تستمر بذات الزخم التجريبي ولذلك فيما يبدو أسباب عديدة يطول شرحها وتحتاج إلى طرح مستقل ونقاش موسّع” ، ونعدكم يا قراء الصحوة بأن نخصص مساحة حوار أخرى حول هذا الموضوع.
رغم عدم استمرارية حداثة التجربة الشعرية العمانية يؤكد حميد البلوشي أن الشاعر العماني منافس في حسه وفي شاعريته “فالشاعر العماني منذ أن قيل قديماً ان تحت كل صخرة بعمان شاعر وهو منافسٌ للغة والصورة والابتكار والحسّ والشعر والشاعرية”، ومن الناحية الإعلامية يعتقد حميد أنه بفضل الاعلام الجديد استطاع الشاعر العماني أن يعود للمنافسة في ساحة الشعر الخليجية “من الناحية الإعلامية اتصور اصبح منافساً خصوصاً مع اتجاهات التلقي الجديدة التي فتحتها تقنية الاعلام البديل ( يوتيوب، منصات التواصل الاجتماعي الخ ) هذه المساحة خلقت بعداً للانتشار لم يكن متوفراً في السابق ، هذا السابق واعني به الاعلام التقليدي – الخليجي تحديداً – كان فيه الشاعر العماني خارج حسبة الانتشار كونه لم يكن مسوّقاً جيداً من وجهة نظر هذا الاعلام ( المحطات الفضائية ، مجلات الشعر الشعبي ، صفحات الشعر الشعبي الخ ) لم يكن مسوّقاً جيداً لها أي لم يكن يخدمها تسويقياً أما الأن فالوضع اختلف”.
مشجعًا للتانغو منذ 1986
اهتمامات حميد برياضة كرة القدم ليست بحديثة، فمنذ طفولته في قرية الواصل ببدية كان مشجعا للتانغو وظل وفيا في تشجيعه وحبه لهذا الفريق، فحتى في كأس العالم 2018 بروسيا كان البلوشي مشجعا لهذا الفريق “هو ذاته الذي كنت أشجعه منذ عام 1986 منذ أن تفتحت أبصار الطفل الذي في قرية الواصل في ولاية بدية على دهشة تانجو قادمة من أمريكا اللاتينية يبثها تلفزيون صغير موضوع على مندوس مزركش متآكل في صدر صالة متواضعة في بيت متواضع، دهشةُ رقصةِ عشبٍ تُدعى الأرجنتين”.
وعن الحدث الأعظم والمترقب والمنتظر في الخليج، يقول حميد عن استضافة قطر لكأس العالم 2022 ” حلمٌ سبقت به قطر غيرها فتستحق أن ترويه للأجيال بنفسها دون أن يقاطعها أحد وبعد اربع سنوات من الأن سنكون المحظوظين بإذن الله في ان نكون من الذين يعيشون هذا الحلم في شهر كامل كحقيقة”، ويعتقد حميد بأن قطر قادرة على ابهار العالم “ما أعرفه عن الروح القطرية بعد هذه السنين من ملامسة عملهم ونظاميتهم واحترافهم، أنهم قادرين على فعل الإبهار للشيء العادي ، تنظيماً وابتكاراً ومضمونًا ، هم لا يرضون لأنفسهم أن يكونوا عاديين عندما يتعلق الأمر بالأحداث الرياضية”.
وعن تأثير الأزمة الخليجية على استضافة قطر لكأس العالم يقول البلوشي ” الأزمة الخليجية افادت فريق العمل القطري الخاص بـ 2022 اكثر مما اضرته، وضعته في تحدي وكان على مستوى هذا التحدي، خطّطَ بنظامية، أوجدَ البدائل، ولا يزال العمل يسير وفق الجدولة الموضوعة مع أسبقية زمنية لصالح الفريق في بعض الجوانب، ( رب ضارة نافعة ) هذا المثل تحقق بشكل كبير لدى القطريين “.
المكون السياسي الخليجي .. في غاية الهشاشة
الأزمة الخليجية حديث حاضر في كل مجلس خليجي، مستحضرين فيه الماضي الذي جمعنا في وحدة وإلى ما حدث في حاضرنا، متأملين في مستقبل يتجاوز هذه القطيعة ويعود النسيج الخليجي الموحد، عن هذا الأزمة يقول حميد “هذه الأزمة كشفتنا بعريٍ كان يجب أن يحدث ! ، ومع أنها مارست كشفنا وكشف خليجنا السياسي الذي تربينا على سماع الأغاني والخطابات التي توحّده وعلى قدر ما هو مؤلم جداً اننا كجيل صدقّنا كمية الصدق التي كانت في اغنية (خليجنا والنعم) تلك التي غناها الفنان احمد الجميري مثلاً والتي ظهر أنها ليست صادقة – سياسياً ع الأقل – ، إلا أنه بنظرة واقعية لا عاطفية أقول انه من الجيد لجيلنا العاطفي أن يعيش هذه الأزمة يوماً بيوم ويكتشف كيف أن مكوّنه الخليجي السياسي هذا هشّ، بل وفِي غاية الهشاشة”. واستكمالا لرد حميد عن سؤالنا حول رأيه فيما حدث (مقاطعة أو حصار قطر) ، يقول “بالعودة للسؤال والذي هو بالمناسبة يمسك العصى من المنتصف – إذ يرد فيه لفظيّ ( الحصار والمقاطعة) معاً – وكأنه يخشى الاصطفاف العلني كي لا يخسر جمهوراً معين ، بالعودة لهذا السؤال بالنسبة لي الأزمة الخليجية واضحة جداً ، واضحة النيات السياسية للغاية ، ولم تبدأ الأن بل بدأت منذ ١٩٩٦ عندما حدث تغيير داخلي في قطر وسعت بعض الدول في تغيير هذا التغيير ، منها منذ تلك السنة والوضع بشكل عام خليجي كان يتجه الى التشرذم والتفكك ، هذا التغيير القطري لم يرضى البعض وكان من الطبيعي أن عدم الرضى هذا ينسحب على كامل السنوات اللاحقة حتى وإن ظهر لنا أن هناك فترات سكون، ما يحدث اليوم يُحيلنا إلى تغليب مصالح سياسية ذاتية لا تهتم بفكرة (مجلس الخليج المتعاون / المتهاون) وفق متغيرات إقليمية ودولية، كان بالإمكان معالجة أي خلاف أو اختلاف سياسي بعيداً عن كل هذا الفجور العلني الشعبوي، ولكن اعود لأقول الأزمة عرّتنا جيداً، وهذا جيد، جيد لطلبة العلوم السياسية مثلاً أن يعيشوا حالة عمليّة لفعل مراهقة سياسية قد لا يجود بها الزمن الخليجي!”.
للإعلام سلطة وقوة، وقد استخدمت قوة الإعلام الخليجي في شق صفوف وحدة مجلس التعاون الخليجي وهذا حسب ما يذكره البلوشي عن تغريدات سابقة للأزمة تحدث فيها عن دور الإعلام الخليجي ” اتذكر هنا موضوع مجموعة من التغريدات غردت بها قبل الأزمة بسنوات، كنت قد اشرت فيها إلى تلك الجناية الإعلامية التي جنتها الأنظمة السياسية في الخليج منذ بدءت في عصرها الحديث وكيف انها تُمارس عبر ماكيناتها الإعلامية نوعاً متعمداً من عدم وحدة الصفّ الخليجي ، وكيف أن هذه الرؤى المشيخية في هذه الخارطة في طريقها الى أن تصنع مشيخات خيم وليس كيانات دول فيها مواطنة خليجية متجانسة” . ويرى البلوشي أن الإعلام الخليجي هو ابن السلطة “الإعلام الخليجي هو ابن السلطة، فكيف سيخرج عن طوع ابيه؟!! يراد لهذه الأزمة أن يتم طرحها هكذا بكل هذه العفونة اللغوية وبكل هذا الفُحش المجتمعي الإعلامي وبكل هذا التزييف والكذب، وبكل هذه الحدة الجارحة” . ويعتقد حميد البلوشي أن التعامل الإعلامي للأزمة الخليجية هو نسخة للإعلام العراقي فترة غزو الخليج “قد لا تتذكرون إعلامياً ما حدث ابان غزو نظام صدام حسين للكويت ، ما فعله إعلام نظام صدام حسين قبل وأثناء غزوه للكويت كان صورة طبق الأصل مما يحدث بين الإعلام الخليجي الآن في هذه الأزمة بكل أطيافه ، الفارق فقط أن الزخم الآن أعلى لطبيعة الأدوات الإعلامية المؤثرة، أمّا الكتالوج هو ذاته ( أقصى البذاءة لتشويه متعمد بغرض التمهيد لإحداث تغيير سياسي قسري في دولة قريبة ) ، في الحالة الخليجية الراهنة لم يحدث هذا التغيير وإن لا قدر الله افترضنا انه حدث لشاهدنا وتابعنا الخطة ( ب ) من صيغة خطاب إعلامي آخر يختلف عن الذي نراه الآن ، الآن وبعد أن فشلت محاولة التغيير السياسي هذه لم يعد في يد صائغي المرحلة – التي لم تتحقق – غير الاستمرار في هذه الصورة الإعلامية ذات المستويات شديدة الفجور في الخصومة هذا لان أي تغيير في الخطاب الإعلامي سيضرّ بصورة هذه الأيادي في مجتمعاتها” .
وهنا نتساءل هل لعمل حميد البلوشي في قطر دور في تبنيه هذا الرأي؟! يجيبنا حميد ” ضعوني في جزر الواق واق واسألوني ذات السؤال ستجدون ان الإجابة هي ذاتها، فالمسألة هنا ليست انتماء وظيفي وعلى ضوئه يتم تفصيل الرأي، بل هو معطى سياسي واضح بالنسبة لي على الأقل ليس عليك إلا أن تقرأ جيداً وباستقلالية ما حدث سابقاً، لتدرك وتفهم ما يحدث الآن، السؤال الأجدى هو: هل لو كان حميد إعلامياً في الإمارات او السعودية وأضيف البحرين هل سيستطيع أن يقول رأيه هذا بحرية أم لا ؟!!”.
هنـا ينتهي حوارنا الأول والذي لن يكون الأخير مع الإعلامي والشاعر العماني حميد البلوشي.