لعلكم تتوقعون مقالاً يهنئكم بهذه المناسبة ويدعوكم للتأمل في صفحة أعمالكم الفائتة ويبشركم بقادم أو لعل بعضكم مثلي ممن يغشاهم الملل والنعاس من تكرار تهانينا وعودة مناسباتنا بذات الحال وبنفس الكلمات دون أن نبتكر جديداً لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى العمل. في هذا المقال أكتب ما أريد أن أقرأه في مناسبة من هذا النوع مناسبة ( السنة الهجرية الجديدة) التي نسميها مناسبة دون أن نحتفي بها بالشكل الذي يحتفي به العالم بمناسبات من هذا النوع ولكن نكتفي بأخذ الهدية ( يوم إجازة)!. لا بأس في ذلك ولكن لماذا لا نجلس لدقائق لنتأمل في نشأة هذه المناسبة. فالسنة الهجرية لم تكن مناسبة لقد أنشأت في عهد الخليفة الثالث عمر بن الخطاب لسد فجوة كبيرة يفتقدها المسلمون دون غيرهم. وبدت الحاجة ملحة لوجود تاريخ تبدأ فيه سنة المسلمين حين أتسعت رقعة الدولة وزادت المراسلات بين الأمصار ومقر الخلافة. ففي البداية والنهاية لابن كثير نرى أن صكاً – أي حجة لرجل آخر-وصل لعمر وفيه أَن يحل عليه في شعبان. فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية أو الآتية؟
ومن هذا التساؤل ظهر التقويم الهجري الذي أحسبه لم يكن ليكون لو أن عمراً كان من اللذين يتبعون ما رأوْا عليه آبائهم. وهي رسالة غاية في الأهمية مفادها أن الزمن متغير غير جامد يفرض علينا أن نواكبه لنكون في مصاف الحضارات الأخرى غير متأخرين عنها بدعوى التعنت أو نسخ الماضي. فعهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- ليس ببعيد عن خير العهود وأفضلها وهو عهد النبي غير أن الحاجة لم تبرز في وقته لوجود تأريخ مفصل من هذا النوع ( رغم أن بعض المصادر تذكر أن النبي فور قدومه للمدينة أمر بالتأريخ ). ونرى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حين رسم ملامح هذا التاريخ نظر لما تستخدمه الحضارات العظيمة في وقته من فرس وروم وأختار بداية التاريخ من بداية الهجرة النبوية التي أجمع الناس عليها وقالوا أن فيها هجر الحق الباطل ، رغم أن بعضهم أقترح بدايتها ببعثة النبي ! ولكن الإجماع فصل المسألة ووضع بين أيدينا درس آخر في قبول الإختلاف والشورى. أما أختيار محرم دون شهر رمضان الذي أقترحه بعض الصحابة أن الغالبية قالت فيه : المحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام.فأجمعوا عليه( الكامل في التاريخ لابن أثير).
ومن حرمة الشهر محرم نبدأ عامنا بقلوب نقية حاقنة للدماء وحافظة للأرواح داعية للتقدم ومواكبة الركب نابذةٍ للفرقة والتقهقر.