الصحوة – حذافة بن عبدالله الشبلي
عُرفت الزراعة باستخدام التربة منذ نشأة الكون وما زالت مستمرة إلى وقتنا الحالي ، وعادة ما نجد تلك الخضروات والفواكة على أرفف المحلات والأسواق يتم إنتاجها من خلال تربة الحقول المفتوحة ، فلا يخفى على أعين الناس بأن التربة تلعب دور مهم في الإنتاج الزراعي لما تملكه من خصائص فيزيائية وكيميائية وبيولوجية في تخزين المواد التغذوية والماء للنبات وتعمل كوسط لجذور النباتات وتصريف المياه ، إلا أن تقنيات الزراعة بدون ترب كانت محط أنظار عند الحضارات القديمة منها الحضارة المصرية ، وحدائق بابل المعلقة والحضارة الصينية وغيرها . فكيف نظرت تلك الحضارات القديمة لبدائل الزراعة التقليدية ؟ وما هي توجهات العالم العصري للإنتاج الزراعي ؟
إن ما يمكن استنباطه من جواب لتلك التساؤلات بأن الإنسان منذ القدم ما زال يتفكر في بدائل الزراعة بدون تربة كون تعدد تقنيات الزراعة يساهم في تعزيز الإنتاج الزراعي وضمان استدامة إنتاج المحاصيل في ظل تزايد أعداد السكان وارتفاع الطلب على المواد الغذائية ، وما يحدث في زمننا المعاصر من مشكلات للتربة منها تغير المناخ ، تدهور التربة ، ملوحة التربة ، إنجراف التربة ، تلوث التربة وغيرها من المشكلات التي تضيق النطاق على الإنتاج الزراعي التقليدي والتي بدورها تستدعي استخدام محسنات وأسمدة للتربة وعمليات معالجة للتربة قد تكون مكلفة حتى انجذبت مصادر الإنتاج الزراعي إلى استخدام بدائل أخرى للزراعة التقليدية التي لا تكون التربة إحدى مكونات تلك التقنيات منها الزراعة المائية ، الزراعة الأحيومائية و الزراعة العمودية ، وأهمها نوعين هما: استخدام سائل يعمل كوسط غذائي للجذور كالزراعة المائية ، وأما النوع الآخر استخدام وسط صلب يدعم النبات كاستخدام الصوف الصخري.
طبقاً للأمم المتحدة تُقدر زيادة نسبة السكان 8.6 مليار نسبة في عام 2030 مما يستدعي بناء وحدات سكنية إضافية وتوسعة المدن وتقليل المساحات الزراعية المعتمدة على التربة ، لذلك احدى الحلول الواعدة هي استخدام تقنيات زراعية بديلة عن التربة في المدن الحديثة ، تقدر النسبة 3.5 بالمائة من المحاصيل حول العالم تُنتج باستخدام تقنيات الزراعة بدون ترب ، والزراعة المائية مقدمة تلك التقنيات .
يمكن أن تتمحور مزايا الزراعة بدون ترب في ترشيد استهلاك المياه ، كما أنها تساهم في توفير وسط مثالي مشابه للحقول المفتوحة من خلال توفير العناصر الثلاثية وهم الماء والضوء و المغذيات التي يحتاجها النبات . فالزراعة المائية – مثلاً – تمتص الجذور تلك العناصر المغذية على شكل أيونات غير عضوية ذائبة في الماء ، ونتيجة لذلك تكون عمليات إنتاج المحاصيل أسرع بدون عناء وجهد على عكس ما يحصل في الإنتاج الزراعي من خلال التربة التي تحتاج لجهد أكبر في تجهيز التربة قبل الزراعة من تقليب للتربة ووضع الأسمدة والمحسنات العضوية ، ومكافحة الأمراض والأعشاب الضارة وغيرها من العمليات التي تطلب وقت.
كما أن سهولة التحكم في بيئة تقنيات الزراعة بدون تربة من ضبط للخصائص التي يحتاجها النبات مثل الرقم الهيدروجيني للماء والتوصيل الكهربائي Electrical conductivity) ودرجة حرارة وإضاءة البيئة المحيطة وغيرها من المميزات التي تساعد في توفير بيئة مناسبة للإنتاج الزراعي .
الزراعة المائية ليست لإنتاج المحاصيل فحسب ، بل هي أيضاً لإنتاج نباتات الزينة ، كما أن الزراعة المائية تساهم في تقليل تأثير البيت الزجاجي ، وسوف تساهم في إطعام الملايين في حالة تم تطوير الزراعة المائية بالصورة القصوى واستخدامها الاستخدام الأمثل . فمنذ عام 2003م واليابان مثلاً تنتج محصول الأرز الذي يعتبر من أهم الأطعمة في الدول الأسيوية والأفريقية .
كما يمكن للجميع الإستفادة من الزراعة المائية ، فهي لا تطلب مساحات شاسعة أو ممرات واسعة فيمكن مضاعة الإنتاج في وحدة مساحة صغيرة ، كما أن من الممكن إنتاج الخضروات والفواكة الأساسية من خلال الزراعة المائية بكل سهولة وبدون جهد كبير من قبل عمالة زراعية ، كما أنها تعمل على توفير مياه الري والأسمدة إلى حوالي 80 بالمائة ، فلا تتأثر بإختلاف المناخ أو إختلاف البقعة الجغرافية . والجدير بالذكر أن عادة ما يكون الإنتاج الزراعي أسرع وأكبر من خلال التقنيات بدون تربة وبصورة مستمرة على المدى البعيد بدون انقطاع ، كما أن المحاصيل تكون آمنة وصحية كونها أقل عرضة للآفات والأمراض الزراعية وبالتالي يقل الاعتماد على استخدام المبيدات بكافة أنواعها .
ولكن حينما يُنظر للزراعة المائية بديلاً للزراعة التقليدية بدقة، سنجدها بأنها لا تخلو من التحديات ، منها محدودية المحاصيل التي يمكن انتاجها بدون تربة قد تكون إحدى العوائق ، كذلك ارتفاع التكلفة الإنشائية الأولية لبناء بيئة زراعية بدون تربة ، والحاجة إلى معرفة وخبرة مكتسبة بخصوص الزراعة بدون ترب كونها أمر غير تقليدي وغير شائع ومكافحة أي تغيرات قد تطرأ على النظام مثل انتقال الأمراض الفطرية أو اختلال في نظام الري الخاص بالنظام .
كذلك استخدام الإضاءة الصناعية والتي تكون مكلفة في حالة عدم استخدام مصادر الطاقة المتجددة . كما أن لإطعام عدد كبير من الأفراد قد تكون الحاجة إلى إنشاء مساحات واسعة وأنظمة مكثفة للإنتاج الزراعي من خلالها والتي قد تكون غير عملية. وأيضاً من التحديات هو ضمان حصول الناس على التغذية المناسبة التي يحتاجونها من الطعام الذي يأكلونه ، فمن الضروري أن يحتوي الطعام الذي يتم إنتاجه من خلال الزراعة المائية أو من التقنيات الأخرى على العناصر الأساسية والفيتامينات المخزنة في الغذاء .
إذن مستقبل الإنتاج الزراعي وتقنيات بدائل الزراعة التقليدية تعتمد على ما تقدمه من مميزات اقتصادية ومجتمعية وبيئية مقارنة بالزراعة التقليدية ، وقدرتها على تأمين وتلبية متطلبات الغذاء بصورة مستمرة للمجتمع ، كما أن عنصر الاستدامة يوضع بعين الاعتبار في التأكيد ما أن تلك التقنيات ستستمر وتطور بشكل متتالي مع مرور الزمن ومحاولات التقليل من التحديات التي قد تتولد منها .
في نهاية المطاف علينا لا ننسى ونهمل دور التربة ، كونها إحدى مرتكزات بيئتنا وكوكبنا ولا ينظر لها كوسط زراعي فحسب ، بل يجب علينا أن نحافظ عليها ونستثمر الجهود البيئية في إدارتها بشكل مستدام لمستقبل بيئي أفضل . فما زالت التقنيات تتقدم حول الزراعة بدون ترب وما زالت الكثير من التحديات قائمة ، وتتسارع وتيرة الأبحاث والتجارب والإبتكارات في هذا الجانب مما يستدعي تكثيف جهود الباحثين والمبتكرين لتقليل المشكلات والتحديات القائمة حول تقنيات الزراعة بدون ترب لمواكبة متطلبات العالم الحالي والأجيال المستقبلية .