الصحوة – شريفة التوبي
كلما دخلت مستشفى خاصاً ووجدت ذلك العدد الكبير من الوافدين، انتابني شعور بأن الزمن توقّف بنا، أو ربما أكون قد سافرت عبر الزمان والمكان إلى حقبة زمنية سابقة وبقعة مكانية غريبة بعيدة، إنها الصورة ذاتها التي كنا نراها ونحن نفتح ألبوم الذكريات لنرى كيف ابتدأنا، وما كان في ذلك عجباً ولا دهشة أن يكون الطاقم الطبي غير عماني، بل كان في ذلك حكمة لأنه لا بد من الاستعانة بالآخر وخبرته في تلك المرحلة، لنقص عدد المتعلّمين أو الخريجيين لدينا من أطباء أو ممرضين، ولكن اليوم لا أستطيع رؤية الحكمة ولا الجدوى أمام هذه الأعداد من الوافدين الذين ما زالوا يشغلون تلك الوظائف في المستشفيات الخاصة، وأعداد الخرجين الباحثين عن عمل في المقابل!
منذ لحظة دخولي من البوابة شعرت وكأني دخلت إلى مكان غريب لا يمتّ إلى المكان خارج البوابة بصلة، فمن يقوم بفتح الملف وافد، ومن يقوم بالمعاينة في غرفة الفحص الأوّلي وافد، الطبيب الذي يشخّص حالتك وافد، الممرّض الذي يقوم باستكمال إجراءات الفحص وأخذ عيّنات الدم إذا تطلّبت حالتك ذلك وافد، تتجه إلى الصيدلية وتأمل أن ترى وجه يشبه وجهك ولسان يتحدّث لغتك، فلا تجد، حتى عامل النظافة وافد، النادل في المقهى الموجود داخل المستشفى وافد!!
ينتابك شعور آخر فوق شعور الصدمة والألم، شعور الغربة، وكأنك المريض الغريب المسافر من غير سفر، تخرج من هناك مندهشاً، متسائلاً أين العماني، أين الباحث عن عمل في هذه المستشفيات، إن لم يكن الطبيب أين الممرض وأين الصيدلاني؟ ألا يوجد لدينا باحثون عن عمل في هذه المجالات يمكنهم أن يحلّوا محل الوافد، أو ألا يوجد من يملك كفاءة الوافد، هذا إذا كان الأمر متعلّق بالكفاءة؟!
لقد افتتحت الكثير من المستشفيات الخاصة والعيادات الخاصة، حتى تكاد ترى بين كل بيت وبيت في المنطقة الواحدة عيادة أو مستشفى، ولكن أين العماني في هذه المستشفيات والعيادات؟ نعم يتواجد القليل منهم في بعض المستشفيات ولكن بأعداد خجولة، لا تساوي نسبة الأمل والطموح، فما الذي يمنع تواجد العماني أو توظيفه؟ هل عزوف العماني نفسه لقلة الراتب المدفوع، والذي يُرضي الوافد ويقنعه، أم لأن العماني المتخصص والذي ما زال يبحث عن عمل يترفّع عن العمل تحت إدارة غير عمانية، أم أن إدارة هذه المستشفيات لا تعطي الفرصة للمواطن للعمل فيها، أم أن هناك شُح في عدد المتخصصين في المجال الطبي؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهني، وقائمة الباحثين عن عمل تطول يوماً بعد يوم، وكعمانية أتمنى أن أجد العماني أينما يمّمت وجهي، وفي كافة القطاعات، ولا أدري ما الذي يمنع أو يؤخّر تحقيق ذلك؟ فمع تزايد أعداد الخريجين الذين تتنامي أعدادهم وتتكاثر يوماً بعد يوم، سيصبح لدينا فائض وتكدّس في أعداد الباحثين عن عمل مع وجود وظائف يشغلها الوافد، وابن البلد أحق بها، وكلّنا نعلم أن العماني قادر متى أعطي المسؤولية، ويستحق هذا البلد خدمة أبنائه له، فالوافد لن يقدّم ما يقدّمه ابن البلد مهما كانت خبرته وشهاداته، العماني يستحق أن يُمنح فرصة للعمل بشهادته كي ينال الخبرة خصوصاً قطاع الصحة، لأن الطمأنينة والثقة أول العلاج وآخره.