الصحوة – ميثم بنت هاشم الحسنية – باحثة ماجستير في القانون الجزائي
حسب نتائج دراسات البحوث بجامعة كامبريدج انتشر في الأونة الأخيرة استعمال ملايين المستخدمين المحفظة الإلكترونية للعملات الرقمية وأن معظمهم يستخدمون عملة البيتكوين التي أنشأها رجلا مهووسا بدور الحكومة في تدخلها بأموال الناس من خلال بنوكها المركزية يدعى ساتوشي ناكاموتو وبالفعل في 2017 ارتفعت قيمة هذه العملة لهذا السبب الأبرز حيث تقبلتها شركات عالمية واعتمدتها كعملة في عملية الدفع مثل شركة ديل وما يكروسوفت أوفيس لأن أصبحت مزيتها يتم الدفع بهذه العملة دون البنوك كوسطاء ما يعني دون الاهتمام لمعرفة الأسماء الحقيقية للمتعاملين وغياب الرقابة الأمر الذي يتيح المجال لتطور أساليب وطرق عمليات غسل الأموال ويتضح أثره في مراحل الغسل وبيانه في الآتي:
مرحلة الإيداع أو التوظيف:
المرحلة المعروفة ببساطتها حيث يقوم مستخدم العملة الرقمية في هذه المرحلة بإيداع المال الرقمي بطريقة الإيداع الإلكتروني في مؤسسة مالية واقعية أو إلكترونية بقصد تدويرها وتهربا من قيود المحاسبة المقررة للورقة المالية. مثال ذلك: إنشاء شركة وهمية واقعية أو إلكترونية عن طريق الإيداع الإلكتروني. أو تجزئة مبالغ نقدية كبيرة إلى مبالغ نقديه صغيرة من خلال شراء وتحصيل عملات نقدية رقمية بينما يتم إيداعها في مكان آخر.
مرحلة التغطية:
وهي المرحلة التي يقوم فيها الجناة بإجراء عمليات غسل أموال عدة لإخفاء حقيقة مصدرها. وهنا تتضح الغاية التي يرمي إليها الجناة في هذه المرحلة وهي جعل الرقابة المالية على هذا النوع من الأموال مستحيل أو غير ممكن بحيث لا يتصور من المجرم إلا أنه رجل أعمال ذو أمواله طائلة حتى أن قد ظهرت مؤسسات وهمية تعمل على إخفاء الصلة بين المال الرقمي ومصدره غير المشروع مقابل دفع مالية ضخمة.
مرحلة التوظيف:
حيث يقوم الجاني حائز المال الرقمي بإجراء تحويلات إلكترونية إلى مناطق إقليمية أو دولية لا تطبق قانون مكافحة غسل الأموال ومن ثم بعد ذلك يتم إدخالها في حركة النشاط الاقتصادي بعد إجراء عمليات غسل عدة مرات عليها لإضفاء صفة المشروعية ومن هنا يتعين على المؤسسات المالية المصدرة لهذه الأموال الرقمية قبولها ومعاملتها معاملة النقود القانونية وبذات سعر السوق المالي للدول علنا وهذا ما يميز المرحلة الأخيرة عن سابقتها فعندما تختلط الأموال المشبوهة مع الأموال الصعبة يكون من الصعب إكتشافها.
ولما كان هذا الأمر يشكل خطورة على إقتصاد الدول وغياب إستقراره حسنا ما فعله التشريع العماني حيث تنبه لهذه الجزئية وتصداها من خلال سن قوانين خاصة تحارب هذه الآفة العابرة للحدود سواء كانت أموالاً عادية أو رقمية وكانت هذه الآلية تحريم جريمة غسل الأموال منذ نشأتها ومن ثم سعى بعد ذلك إلى مكافحتها في مرحلة الإيداع التي سبق أن تم إيضاحها و وضع حد سقف محدد للقيمة المالية التي يمكن إيداعها كحد أقصى وفرض عقوبات قاسية للحد منها أو التقليل منها على الجاني مرتكب الجريمة فاعلا أصليا كان أم شريكا أم كان شارع بها سواء كانت تمت في الواقع المادي أم في الفضاء الإلكتروني ومن ذلك ما نصت عليه المادة 9/1 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2011م/12: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في إنتاج أو عرض أو توزيع أو توفير أو نشر أو شراء أو بيع أو استيراد مواد إباحية ما لم يكن ذلك لأغراض علمية أو فنية مصرح بها، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على خمسة آلاف ريال عماني إذا كان محل المحتوى الإباحي حدثا لم يكمل الثامنة عشرة أو كان الفعل المجرم موجها إليه ويعاقب بذات العقوبة كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في حيازة مواد إباحية للأحداث” حيث يتضح لنا من هذا النص معاقبة الجاني على ترويج المواد الإباحية يعيق حصوله على الأموال بصورة غير مشروعة وبالتالي لن تكون هناك جريمة غسل الأموال وتعتقد الباحثة هذا سعي خفي من المشرع العماني يحد من قيام جريمة غسل الأموال حيث أحد أركان الجريمة المذكورة هي وجود جريمة أصلية غير مشروعة لاحقه وتكون سببا ممهدا لقيامها لما تجرهذه الجريمة من أموال رقمية طائلة عبر الانترنت غير مشروعة وهكذا الأمر يسري على بقية الجرائم الواردة بالقانون ذاته دون حصر على اعتبارجميعها أنها أفعال غير مشروعة .
وفي ختام المقالة تناشد الباحثة المشرع الجزائي العماني إلى ضرورة إيجاد نصوص تجريم وعقاب صريحة تتعلق بالإستخدام الخاطئ لهذه العملات الرقمية التي قد ترمي إلى إنشاء جريمة غسل الأموال .