“منذ الصغر وأنا أسقي وأحرث وأتسلق باسقات النخيل لجني ثمرها. كنت متعلقا كثيرا بجدي -رحمة الله عليه- فكنت أرافقه لزيارة الأرحام في داخل البلد وخارجها؛ فأكسبني علاقة كبيرة واحتراما من الأهل والأصحاب، وتعلمت كثيرا من مجالسة كبار السن. لم يكن التنقل قديما بتلك السهولة، فعلى سبيل المثال، أحيانا يحتاج الوصول إلى مدينة بهلا تغيير أكثر من ٤ سيارات، والوقوف طويلا، ومع هذا لم نكن نتذمر من طول الانتظار. منذ الصغر أنا وإخوتي نجمع الحشرات والزواحف والأفاعي، ولكن كان من باب التسلية فقط. ما كنت أظن يوما أن تلك الهواية ستصبح يوما ما سببا للعمل في هذا المجال”.
هكذا استهل الدكتور سليمان الهاشمي، رئيس مختبر أبحاث الخلايا الجذعية والطب التجديدي في كرسيّ النَّباتات الطَّبيَّة العُمانيَّة ونتاج الأحياء البحريَّة بجامعة نزوى، في تعريف نفسه واحدا من سكّان قرية فرق بولاية نزوى، الذي أحب حياة القرية منذ صغره؛ ترى بين المزارع فبادلته الأشجار بالحب، خاصة النخلة التي لها مكانة خاصة عنده مثلما يصف، فقد أعطته هذه الحياة الرغبة في حب البيئة وحياتها الفطرية بمختلف أنواعها من النبات والحيوان.
حوار – محمد بن علي الإسماعيلي
– حدثنا عنك؟
بعد الثانوية درست البكالوريس في الكيمياء، وبعد إكمال الدراسة عملت في مختبر التطابق النسيجي، وهو عمل ممتع، إذ نشتغل على إجراء الفحوصات لاختيار المتبرع المناسب لزراعة نخاع العظم أو أي عضو آخر مثل الكلى. بعدها أكملت دراستي في علوم نقل الدم وزراعة الأعضاء، ثم في العلوم الطبية. كان طموحي ولا يزال في أبحاث الخلايا الجذعية والطب التجديدي. انتقلت إلى جامعة نزوى مع فريق الأستاذ الدكتور أحمد بن سليمان الحراصي -نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي والعلاقات الخارجية- مواصلا البحث العلمي في هذا المجال. في نفس المختبر بدأنا أيضا بأبحاث أخرى، مثل أبحاث مرض السرطان والتئام الجروح وغيرها. انضمام السيد فاروق إلى فريقنا فتح لنا أبوابا للبحث العلمي في مجال السموم، وهو مجال واعد؛ إذ أن السم تركيبة خاصة من البروتينات والببتيدات التي قد تسهم في علاج بعض الأمراض المستعصية.
– ثمة علاقة جدلية بين الحياة الفطرية وإسهاماتها في الحفاظ على التوازن البيئي .. كيف يمكن فهم تلك العلاقة؟
خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون بدقة وإحكام بديعين بصورة متكاملة، إذا اختل عامل في نظامه أثر على العوامل الأخرى. هذه الحياة الفطرية هي جزء لا يتجزأ من البيئة وتوازنها؛ لتشكل نظاما تعايشيا لو اختل منه جزء طغى أو اضمحل جزء آخر منه.
– أطلعنا أكثر على فريكم البحثي؟ “من حيث التكوين والتنوّع والتكامل”
أقول إننا فريق اختار كل منا الآخر بتوفيق من الله سبحانه وتعالى؛ فأصبحنا فريقا متكاملا أطلقنا عليه لقب: (فريق القمة)، وهي مجموعة يكمّل أفرادها بعضهم بعضا؛ إذ يختص بعضهم في علم النبات، وبعضهم الآخر في علم الكائنات الحية؛ ليتعلم بعضنا من بعض. يتكون الفريق من الأستاذ محمد البرومي والأستاذ هلال الناعبي والأستاذ أحمد البوسعيدي والأستاذ سيد فاروق. ويتميز الفريق بنشاط أعضائه وهمتهم العالية في العمل، فلا ترى الكلل والملل يصيبهم، ولا يبالون بحرارة الشمس ولا ظلمة الليل.
– ما آلية اختياركم للأماكن من أجل البحث والتقصي؟
هدفنا دراسة الحياة الفطرية في عُمان من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وفي بعض الأحيان نضع تركيزا على نبتة معينة أو كائن حي فنذهب إلى تلك منطقة التي يتوقع أن نجده فيها.
ويعتمد اختيار المكان على نوع الهدف، إذ يتجسد هدفنا الأول في نوعية الحياة الفطرية، لذا في هذا التوجه لا نضع مكانا محددا، إنما نسعى قدر الإمكان في تغطية معظم المناطق. أما التوجه الآخر فهو البحث في نوع معين من الحياة الفطرية، خاصة النباتات، وهذا النوع من البحث يعتمد إما على نتائج سابقة، وتبين أهميتها من الناحية الطبية للحصول على عينة منها، أو وجود نوع مشابه لنبتة مدروسة نسلط الضوء للبحث في نظيراتها. في هذا النوع نحاول أولا الحصول على المعلومات المطلوبة للتوجه إلى أماكن محددة، وفي كلتا الحالتين نأخذ معنا مايلزم من مواد لجمع العينة وحفظها من التلف، إلى أن نصل إلى مركز البحث العلمي للتعامل مع العينة بالطريقة الصحيحة.
– “الخلايا الجذعية والطب التجديدي” .. من واقع عنايتكم بهذا الملف، إلى أي مدى وصل اهتمام المراكز البحثية في السلطنة به؟
البحث العلمي في سلطنة عمان يعاني في كافة المجالات؛ نظرا لقلة التمويل وندرة الكوادر المدربة. وربما يرجع السبب إلى عدم إدراك أهمية البحث العلمي وإسهامه في التقدم والتطوير على المدى البعيد. أما ما يخص البحث في الخلايا الجذعية والطب التجديدي فهو مجال متخصص جدا، وهناك أبحاث متناثرة في السلطنة في هذا المجال لا تعد بذلك المستوى المنافس. مع هذا -والحمد لله- ما نقوم به في جامعة نزوى في هذا المجال يعد الأفضل على مستوى الوطن، وتوجد معنا بعض التجارب القائمة ونسأل الله تعالى أن يوفقنا فيما هو قادم.
– كونكم تمثلون كرسي النباتات الطبية العمانية ونتاج الأحياء البحرية بجامعة نزوى، حدثنا عن حصيلة إثرائكم للبحث العلمي في السنوات القليلة الماضية؟
لمركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى، بقيادة الأستاذ الدكتور أحمد الحراصي، إسهامات كثيرة في البحث العلمي، خاصة في مجال الكيمياء؛ إذ أن المركز نشر ما يزيد على 300 ورقة علمية. وفيما يخص مجموعتنا في العلوم الطبية، تحديدا في الخلايا الجذعية والطب التجديدي، فنحن في مستهل الطريق لتأسيس المختبر بأجهزة وتقنيات متقدمة، ومع ذلك بدأت بعض نتائج الأبحاث في الظهور. جدير بالذكر أن الأبحاث المرتبطة بالعلوم الطبية يفوق التحدي فيها نظيره في المجالات الأخرى، كون أن هذه الأبحاث تتعامل مع كائنات أو خلايا حية تتأثر بإدخال أي عامل على التجربة.
– أين تكمن أهمية نقل تجاربكم العلمية ومغامراتكم البحثية في وسائل التواصل الاجتماعي؟
نستعمل التواصل الاجتماعي لنشر محصلة الفوائد التي نحصل عليها، سواء من جراء البحث في داخل المختبرات أم من عملنا الميداني. نحن هنا لا ندعي المعرفة ولكن ما نستفيد منه ونتعلمه نحاول أيضا أن نشارك الآخرين به. ننشر بعض المعلومات في موقع التدوينات القصيرة “التويتر”، وأحيانا في برنامج “الانستجرام”، وبرامج أخرى على حسب استعمالات كل عضو من الفريق. بعضها تنشر في حساب المركز الرسمي في تويتر.
– ما الفئات المستهدفة لديكم لإثرائها وتثقيفها؟ ولماذا نجدكم تنشطون في تويتر أكثر من غيره؟
قدر الإمكان نحاول الوصول جميع الفئات لنشر المعرفة، فبعض المعلومات عامة ممكن أن تستفيد منها جميع فئات المجتمع، وبعضها معلومات متخصصة تعني شرائج محددة تزاول عملها في هذا المجال. أيضا نستعمل اللهجة المحلية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمعلومات عامة، لتكون واسطة لإيصال المعلومة والفهم بشكل أفضل. ويبرز استعمالنا لتويتر أكثر كوننا نعتقد أن المتابعين فيه من مختلف مؤسسات العلم والعمل، ومن جميع فئات المجتمع المدني، وأيضا يعد حيّزا رسميا إلى حد معين، يمكن مناقشة المواضيع فيه وإبداء الرأي بسهولة.
– كيف تصنفون المستوى المعرفي للجمهور وتجاربه في هذا المجال؟ “مجال الاهتمام بالأفاعي والحشرات والزواحف بمختلف أنواعها”
بصراحة نجد من تجاربنا في هذا المجال تفاعلا كبيرا من مختلف شرائح المجتمع، حتى المؤسسات الرسمية. وبتوفيق من الله نشعر أن الجهود التي نبذلها -وإن كانت بسيطة- تحدث فارقا كبيرا في المجتمع، حتى في مجال البيئة، إذ أصبح الفرد يدرك أهمية دور الحياة الفطرية في تكامل دورة الحياة، التي تنعكس على الإنسان في عمارته للأرض؛ لذا تصلنا الكثير من الاستفسارات والتساؤلات، سواء من طريق وسائل التواصل، أو على هواتفنا النقالة والبريد الإلكتروني.
– ما أبرز مشاركاتكم الخارجية لنقل تجاربكم وما توصلتم إليه للجمهور؟
هناك إقبال كبير علينا في تقديم الورش والندوات في المؤسسات والمدارس والمساجد والمجالس العامة، في المدن والقرى. فمثلا قمنا بزيارت عديدة للمدارس، وشاركنا معهم في برامج تربوية واحتفالات وغيرها. أيضا اشتغلنا في ورش للقطاع الخاص، مثل مواقع شركات النفط؛ إذ أننا نعمل، مع تقديم الورشة، فحصا ميدانيا للكائنات الحية في تلك المناطق، مثل الثعابين والعقارب والحشرات السامة.