الصحوة – بدرية الجساسية
لطالما كنا نردد: “اللهم أعده علينا لا فاقدين ولا مفقودين”، كان دعاء يغسل الأرواح، لكن لم نكن نعلم بأن الفقد بهذا العيد سيغتال أجمل لحظاتنا، ويغزو أدراج عطورنا ودولاب ملابسنا وأجمل مقتناينا، وحتى نقوش الحناء التي تتنافس على كفوف النساء، وروائح العود والبخور بجلابيب الأمهات، وعيدية الأطفال التي ترنو أعناقهم شوقا إليها، والمفرقعات التي يتداولونها بسرية تامة بينهم، ثم زحمة السيارات بالشوارع وارتفاع صوت المذياع بالأدعية والتبريكات والتهاني.
سنفقد جمال الوجوه وبشاشتها، وبهاء الملابس، ورائحة القهوة وكوب الشاي بعد صيام شهر رمضان، الشوق بلغ أوجه لتقبيل كفوف والدينا واحتضانهم، سنفتقد موائد العيد المميزة التي نجتمع عليها بابتساماتنا وضحكاتنا وحكاياتنا المختلفة، والسبب فيروس لم يغزو فقط صحتنا، بل اغتال طمأنينتنا التي لم نكن ندركها إلا بعد فقدها!
ستبقى الشوارع هادئة، تكمل صمتها إلى أجل غير معلوم، وستبقى أبسط أمانينا أن نعود كما كنا ونمضي بلا قيود، ونلتقي بلا حدود.
هناك فقد يسكن أرواحنا صغارا كنا، شبابا وشيبانا، ولعلنا نقف مذهولين من هذه الأيام والشهور التي اختارتنا الأقدار أن نعيش بها، سنخلدها بذاكرتنا ونسردها يوما ما لأبنائنا، فيا رب ارفع عنا البلاء واجزنا في ابتلائنا خير الجزاء.