الصحوة – خالصة العوفية
بطبيعة كثير من البشر يعَبِر التغيير في جوانب متعددة بالحياة كجزء من سعادتهم، بل يجدد تفاؤلهم ويستثير همهم ويبرز طاقاتهم الكامنة في تسيير شؤون حياتهم، مما يجعله ضرورة ملحة في تجديد المياه الراكدة وإن كانت توحي بالنقاء والصفاء حتى تظهر عليها الشوائب ما أن تتحرك، ولا شك أن إدارة المؤسسات هي جزء من هذا التجديد المنشود الذي يخلق الفرص ويجابه التحديات ويحسن الأداء ويطوره، فالتغيير والتطوير لهما سمة فريدة في دفق الأفكار الخلاقة التي تتشكل لتفوق الأنظمة الحكومية والمجتمعات.
تابعت بشغف كبير كغيري من المتلهفين للتغييرات الحكومية التي صدرت بالمراسيم السلطانية السامية الأخيرة، وكم كانت قرارات فارقة من حيث الترشيق الوزاري والوظيفي والتخصصي جمعت بين التغيير والإحلال لتمكين الكفاءة بالاختصاص، وتركيز الجهد بلا تشعب ولا تعقيد في الاختصاص، وكم كانت رؤيا حصيفة في إحلال وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه لتكون البلديات تحت مسؤوليات المحافظين بوزارة الداخلية والوزير المختص بمحافظة مسقط، ظفار ومسندم، فمن ناحية يظهر دور المحافظين كعمل وظيفي في التنمية وتقديم الخدمات، ومن ناحية أخرى خلق المنافسة بين المحافظات من خلال إبراز الجهود والاستثمار وإيجاد الفرص الوظيفية للباحثين عن عمل، وغيرها، وذلك بوجود الشخصية الاعتبارية الممنوحة للمحافظة، والاستقلال المالي والإداري، وتملك الأموال والتصرف بها والتي ستكون لها مصادر تمويل متعددة من المخططات العمرانية والمرافق والخدمات العامة والحكومية.
تفعيل التقسيم الإداري للمحافظات وإعطاء سلطات أكبر ومسؤوليات أشمل، سوف يخلق اللامركزية في التنفيذ مما سيتيح تقديم خدمات أكبر للمواطنين والمقيمين وكذلك المستثمرين والسياح، وسيسهل عليهم تسيير شؤون حياتهم، فبدلاً أن تكون مركزية معظم الخدمات العامة والحكومية تقتصر على محافظة مسقط أو بعض المحافظات، سيشمل ذلك بقية المحافظات، وهذا ما سيخلق توازناً مقبولاً في الكثافة السكانية بمختلف المحافظات، نظراً لتوفر فرص العمل والخدمات في جميع المحافظات، وتباعاً سيحل مشاكل متعلقة بالاختناقات المرورية في العاصمة مسقط، وجوانب أمنية متعلقة بالتركيبة السكانية سواءً للمواطنين أنفسهم أو مع الوافدين وعلاقتها ذلك بالجرائم.
نتأمل أن تعمل مكاتب الولاة ومجالس البلدية على تفعيل الصلاحيات الممنوحة في أن يكون هناك تخطيط حثيث نحو العمل بالتنمية الحديثة بما يخدم المصلحة العامة، والمساعدة على توفر الخدمات العامة بما يكفل استثمار الأفكار والتخطيط السليم للمشاريع والخدمات في إظهار النتائج المرجوة.
التغيير بدأ، والإصلاح قادم لا محالة، ونظرة التفاؤل قائمة بقيادة حكيمة، وجهود مخلصة، وسواعد متعلمة شابة متقدة الحماس، ومجتمع مثقف واعٍ، فلا مكان للمتخاذلين ولا للمحبطين وإن اختلفت توجهاتهم، والنهضة المتجددة ستبصر نوراً نحو مستقبل أفضل رغم كل العوائق التي تشوبه، فالاستقرار الأمني رغم وجود السلطنة في موقع جيوسياسي ملتهب له دلالة حكيمة في فن التعامل السياسي، والتعايش السلمي الداخلي أصبح أنموذجاً يحتذى به بين الدول، والعول كله يعود للمجتمع الواعي الذي لامس التغيير سواءً في الاقتصاد والاستثمار أو التنظيم الإداري للمؤسسات أو في الحياة المعيشية في ظل النكبات الاقتصادية، بأن يدرك أهمية الإصلاح والتغيير التدريجي، وبأن يكون السند للمصلحة العامة وإن كانت بعض الإصلاحات تمس الضر ببعض الفئات منه، فالزرع حصاده سيثمر، والأجيال القادمة ستأتي أكله ولو بعد حين.