الصحوة – د.حمد بن ناصر السناوي
غزت وسائل التواصل الاجتماعي مجالات عديدة من حياتنا و دفعتنا إلى تغيير بعض السلوكيات وإستبدالها بسلوكيات جديدة، من ضمن هذه السلوكيات القراءة وزيارة المكتبات، فمن الملاحظ أن الإقبال على قراءة الكتب المطبوعة تراجع بشكل ملحوظ، وإقتصر رواد المكتبات على الباحثين المختصين الذين تنحصر إهتماماتهم في مواضيع معينة، لذا قام الدنماركي روني أبيرجل بتأسيس مكتبة من نوع جديد لا تحتوي على كتب بل أشخاص متطوعين من مختلف مجالات الحياة. أفتتحت أول مكتبة في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن عام ٢٠٠٠ م ، ثم إنتشرت الفكرة لتشمل أكثر من 70 دولة حول العالم.
في مكتبة الانسان لن تجد كتابا لتقرأه، بل شخصا ذو خبرة في مجال معين تستطيع أن تحاوره و تتبادل الأفكار معه، قد تتفق أو تختلف. هذا المشروع يخدم الطرفين: “القارئ” يستمتع بالحوار مع شخص ما في موضوع يثير إهتمامه، و”الكتاب” الانسان – والذي عادة ما يكون شخصا متقاعدا– يشعر أنه لا يزال مفيد للمجتمع ويستمتع بالحوار في مجال تخصصه.
يقول روني أبيرجل مؤسس مشروع مكتبة الانسان أن الهدف الرئيسي لهذا المشروع هو إيجاد بيئة أمنه للنقاش وتبادل الحوار في بعض المواضيع التي عادة ما تحمل وصمة العار وتتباين حولها وجهات النظر، مثل المرض النفسي والإدمان مثلا، ففي مكتبة الإنسان يمكنك أن تحاور مدمن مخدرات متعافي وتتعرف على تجربته مع الإدمان، كيف وصل إليه وكيف إستطاع الإقلاع عنه.
هذا الحوار يمكِّنك من التعرف على الإنسان المتواجد خلف سلوك الإدمان وتتفهم تجربته، قد لا تتفق معه لكنك حتما يمكنك أن تعيد التفكير في الأفكار النمطية التي عادة ما نحملها تجاه المدمنين. أما إذا أردت أن تتعرف على تجربة لاجئ سياسي، أو رجل دين فيمكنك أن “تستعيره” وتحاوره في مكتبة الانسان .
توجد قوانين خاصة لمكتبة الانسان يجب أن يلتزم بها المتطوعين أهمها عدم الترويج للمشاريع الخاصة أو الأفكار المتطرفة ، أو سرد السيرة الذاتية .المتطوع له الحق بالإجابة عن الأسئلة أو رفضها، بأختصار الجلسة عبارة عن نقاش لتبادل الأفكار والاستفادة من خبرة المتطوعين “الكتب” الذين ينتظرون في منطقة خاصة بهم تسمى ”رفوف الكتب“ حتى يأتي القارى الذين يختار المتطوع للحديث معه.
شخصيا أعتقد أن مكتبة الانسان فكره جميلة في الاستفادة من الخبراء في مجالات الحياة المختلفه ، فبدلا أن أقراء عن الرحلات مثلا ، أستطيع أن أحاول شخصا ذو خبرة في هذا الموضوعات ، يخبرني عن البلدان التي زارها والمناطق الأثرية و عادات الشعوب المختلفه، ربما أستطيع أن أتعلم منه بعض المهارات في إختيار البلدان الأمنه مثلا، الأطعمة الشعبية التي يجب تذوقها، هذا الحوار سيمكنني من الحصول على أجوبة مباشره لا توفرها لي قراءة كتاب أو مشاهدة فيديو على اليوتيوب مثلا. أو ربما أتطوع أنا ككتاب للقارى المهتم في الطب النفسي، نتناقش في السلوكيات المختلفه والدوافع التي تجعل الفرد يقوم بسلوك ما ، أو أن يتشبث بفكر ما دون غيره، أو ربما نتحدث عن بعض الأمراض النفسية وكيفية التعرف عليها والتعامل مع المريض .
ترى هل ستجد هذه الفكرة رواجا في المجتمع العربي يوما ما ؟