أزلنا غبار الجمود،وانطلقنا لنفتح الستار،فتلألأت أمامنا كلماتٌ براقة،لمعانيها إشراقة(…ولا شك أن إنجاز أية خطوة على هذا الدرب الطويل سوف يتيح مزيدا من فرص العمل؛ وبالذات في القطاع الخاص والذي نكرر دعوتنا له أن يأخذ زمام المبادرة في هذا المضمار؛ لرفع نسبة العمالة العمانية في مؤسساته..).من الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه.
وبعد أن ترنمت أفواهنا بتلك الكلمات الملهمة،دعوني أصحبكم في رحلة علمية حول التعمين وسوق العمل العماني.
رصد تقرير التنافسية لعام 2016 اقتصاد138دولة تم تصنيفها عبر 114 مؤشرا مدرجا ضمن 12 محورًا، ومن بينها: محور كفاءة سوق العمل، وقد حصلت السلطنة في هذا المحور على المركز82؛ مما يترتب على ذلك؛ عدم المقدرة على التأقلم مع المتغيرات الحاصلة وتبعاتها،فلنعد النظر في نماذج الدول التي تتصدر مؤشر التنافسية العالمية مثل: سويسرا وسنغافورة، والاستفادة من تجاربها في هذا المجال، كما أن المستوى التحصيلي المتدني لمخرجات التعليم العام والتعليم العالي يلعب الدور الكبير في تراجع كفاءة سوق العمل؛ إذ أن آلية التعليم هي الأساس الذي يبنى عليه واقع العمل، ولا يخفى علينا التداعيات الأخرى وراء هذه المعضلة،فلنقترب أكثر من ندبة الواقع؛ إن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص ومنذ انطلاق التعمين حتى الآن لم تتجاوز14%، وقد بلغ معدل الباحثين النشطين والمسجلين لدى القوى العاملة في نهاية الربع الأول من العام الجاري 34ألف باحثا عن عمل،مقابل 47% فقط من الخريجين الذين يدخلون سوق العمل وبمعدل انتظار يصل إلى ثلاث سنوات ونصف للخريج،وحسب تنبؤات الخطة الخمسية التاسعة؛ سيصل معدل خريجي مؤسسات التعليم العالي إلى 224ألفا تقريبا في نهاية 2020؛ مما يستدعي اتخاذ تدابير سريعة؛ لتصعيد عملية التعمين خصوصا في الوظائف القيادية والتي تهيمن عليها العمالة الوافدة،فلنعمل على تجسير الفجوة بين أصحاب العمل والباحثين عنه؛ لتجفيف منابع التحديات التي تعيق مسار الباحث عن عمل: كضعف مستوى اللغة الإنجليزية، وضعف التدريب العملي،وعدم توائم بعض التخصصات، وعدد سنوات الخبرة مع الشواغر المعلنة،ناهيك عن ضعف الحوافز المادية،ونظام قانون العمل في بعض المؤسسات؛ لذا نأمل من صناع القرار التسريع في عملية التعمين؛ لتحقيق تنمية بشرية مستدامة، وكفاءة في سوق العمل في ظل وجود المواطنة الصالحة التي جبلت على حب الوطن قبل الذات، والاعتماد على كوادر وطنية فاعلة تحمل فلسفة المواطنة.
ما هو حال التعمين في الوظائف العليا؟
لقد آن الأوان أن نجد الشباب العماني متربعا عرش الهرم الوظيفي؛ فلنسبر أغوار الحقيقة بالنظر إلى نسب التعمين في الوظائف العليا،حسب ماجاء في الخطة الخمسية التاسعة:
يشكل الاختصاصيون ما نسبته 7% ، والفنيون والعامل الماهر والمهني نسبة 50% ، ومن خلال هذا المؤشر نجد أن العمالة الوطنية شبه منعدمة في قمة الهرم الوظيفي الذي يمثل الوظائف القيادية والإشرافية ولو تم التركيز أكثر على تعمين الوظائف العليا؛ لأصبحت العمالة الوطنية متربعة سوق العمل، ومساهمة بشكل أكبر في زيادة نسبة التعمين في الوظائف الأخرى،فلا بد من تسخير الجهود بهدف الارتقاء للمستوى الذي ننشده، آخذين بعين الاعتبار وضع نقطة ارتكاز؛ لإيجاد العقول القادرة، والأيادي الماهرة في العمل؛ ولايكون حصاد ذلك إلا بتفعيل دور الجهات المعنية: كمؤسسات التعليم العالي؛ لمواءمة التخصصات مع متطلبات سوق العمل،والصندوق الوطني للتدريب الذي يسعى لصقل مهارات الملتحقين الجدد وكذلك من هم على رأس العمل؛ لإكسابهم القدرات التي يحتاجونها؛ لتولي المناصب العليا،وإنه لمن الأهمية أيضا؛ أن نسلط الضوء على الوظائف الدنيا؛ إذ أن نسبة الوظائف الدنيا الغير مجدي تعمينها 43% ؛ لذا يجب حث الشباب العماني على الجدية في العمل، والإحساس بروح المسؤولية؛ لتمكينهم من الوصول إلى قمة الهرم الوظيفي؛ فالشباب العماني طموح ومثابر، وهو أكبر من أن يكتب على أوراق جامدة..
دعوني أخبركم عن المأزق الذي يقع فيه 50% من العمانيين العاملين في القطاع الخاص، والمسجلين في هيئة التأمينات الاجتماعية، إذ يتقاضى هؤلاء راتبا أقل من 500 ريال.
وهذا يحتم علينا إيجاد حلا عاجلا؛ للتخفيف من وطأة التبعات المعيشية والصحية وغيرها التي تكسر كاهل هؤلاء المواطنين؛ وبما أن القطاع الخاص يعتمد كثيرا على هذه الفئة الموجودة في الخط الأمامي من العمل والإنتاج؛فالعمل على تحسين الوضع المعيشي من خلال الزيادة الطردية في الأجر؛ يعزز من مستوى الإنتاجية بصرف النظر عن كونهم لا يحملون مؤهلات علمية؛ فالمؤهلات هي معيار فقط لعمليات التوظيف أما كونهم موظفين على رأس العمل؛ فالخبرة والإخلاص، والتفاني وحب المؤسسة؛ هي المعيار الحقيقي في مدى فاعلية الموظف.وقد بادرت بعض الشركات الخاصة في السلطنه مثل: شركة خليج عمان، ومجموعة الرازي؛ برفع معدل الأجور للعمانيين بما لا يقل عن 400 ريال عماني كحد أدنى؛ مبادرة وطنية حتما ستسهم في توليد طاقة جديدة من الشباب العماني في هذه القطاعات،فهذه السواعد الفتية ذات الضمائر المفعمة بروح الوطنية، يجب أن يجازى صنيعها بجزاء حسن؛ فالجزاء من جنس العمل.
هل نجح التعمين؟؟
إن تحقيق النجاح يكون في مواجهة المصاعب بثبات الطير في ثورة العاصفة؛ ونجد ذلك جليا في نجاح التعمين الذي حققته مؤسسات القطاع الحكومي: كقطاع النفط والغاز،والكهرباء والمياه؛ رغم مرورها بالعديد من التحديات قبل نجاحها؛ ولكن كما نعلم من رحم التحديات تولد المنجزات، ولنا الأسوة أيضا بالقطاع المصرفي؛ إذ تجاوزت نسبة العمانيين فيه 90%.ولاشك أن بيئة العمل الجاذبة،والاستقرارالوظيفي لهما دور جبار في هذا النجاح. خلاصة القول: التعمين قد أتى بثماره في بعض القطاعات، ولا يزال مجدبا في معظم مؤسسات القطاع الخاص وعلى وجه الخصوص؛ الوظائف المتوسطة والعليا.
إن في تذليل العقبات؛ توليدا للحلول،وها نحن نصل إلى محطة التوصيات؛ فلتصغَى إليها أفئدة القارئين..ونبدأها بدراسة نماذج وتجارب الدول الرائدة في مؤشر التنافسية العالمية، ومجال توطين القوى العاملة، وموائمة مخرجات التعليم العام، والتعليم العالي بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، بالإضافة إلى التنويع الاقتصادي ودعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وحث الشباب العماني ورجال الأعمال على الاستثمار المحلي مع إعادة النظر في قوانين الاستثمارات الأجنبية،إلى جانب توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني؛ لتحقيق كفاءة سوق العمل، واستيعاب المزيد من العمالة الوطنية في القطاعين،كذلك دعم المؤسسات التي تحقق نسب تعمين عالية،وأيضا تشجيع الإبداعات الشبابية، وإشراكهم في عملية الحوار وصنع القرار.وأخيرا تشكيل اللجان؛ لمتابعة تنفيذ التوصيات المقترحة من قبل مجالس الاختصاص والباحثين.
وكما بدأنا بالخطاب السامي نختم به:(..لابد من التعاون بين المواطنين كافة،وفي مقدمتهم القطاع الخاص وبين الحكومة بمختلف أجهزتها وإداراتها على تنفيذ الخطط والبرامج المستقبلية بروح من المسؤولية،والإدراك والوعي بأن هذا التعاون ثمرته مزيدا من التقدم والرقي والنمو والازدهار)من الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه.