الصحوة -مصعب بن خميس الشكيلي
إن سبر أغوار النفس البشرية، بل مجرد الاقتراب من فهم أعماقها أمر في غاية الصعوبة، لا يستطيعه عثل ينتمي لنفس الجنس، لذا فإن التبصّر والتفكر في النفس عبادة ورياضة كلما ازددت عمقًا، ظهرت أعماق تشده العقول وتحير الألباب، ” وفي أنفسكم أفلا تبصرون” .
فالنفس البشرية ما بين جموح مفرط قاتل، وخضوع مفرط وقاتل أيضاً، وبين المشهديَن تظهر حقيقة مفادها، بُعد هذا الإنسان عن وسطية رائعة ارتضاها له خالقه يريح بها عقله ونفسه، ترى الإنسان الطامح الذي لا يحد طموحه أن يموت في سبيله نصف البشرية، وترى الخاضع الخانع الذي لا يبتغي من حياته سوى قطعة رغيف يابسة. لذلك خالق البشرية والعالِم بها وضح الطريق الصحيح، والمنهج القويم الذي على وفقه تسير البشرية في منظومة متكاملة وسطا وعدلا.
تميل النفس البشرية إلى الاجتماع بمثيلتها والأُنس بها وتشكيل المجتمعات والأمم وعلى ذلك فُطرت النفوس. “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعرفوا” ثمّ بيّن ميزان التفاضل ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
فالهدف الأسمى هو إقامة الشعوب والمجتمعات وفق الهدف الحقيقي من الخلق. ولكن مع مرور الزمان، وتبدل الأحوال وتغيرها، وبُعد الشعوب عن المنهج الصحيح ظهر مقياس جديد طمّ الأرض وعمّها، وتهافت الناس عليه ليصبح مقياس يأخذ به الناس فيقيّمون عليه الأفعال، ألا وهو رضا الناس، حتى أصبح
رضا الناس، وإعجابهم، له اعتبار كبير في تصرفاتنا.
في الزواج مثلًا، أليس ارتفاع المهور سببه المباهاة والمنافسة فيمن سيكون مهر ابنته أعلى حتى صار ارتفاع المهور شيئاً دارجاً لا يُنكر ولا يُلقى له بال. أَوَليس فيه مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أقلهن مهورًا أكثرهن بركةً.
وبالطبع مع ما يتبع هذا الارتفاع في المهور من آثار سلبية ليس المقام لذكرها.
ويظل مسلسل ابتغاء رضا الشيطان بسخط الله مستمراً من يوم عقد القران إلى يوم الزفاف، ممثلاً في الإسراف في الأطعمة والتحهيزات وتقديم الهدايا للحاضرين، ابتغاءٌ لرضا الناس والحصول على العلامة الكاملة منهم.
الناس يريدون أن يصنعوا تماثيل توافق رغباتهم وأهواءهم ولا يريدون أن يخلقوا فكرًا يرتقي بالمجتمع، تختلف فيه وجهات النظر حول القضايا المهمة فيخرج فيهم من يبدع حلاً في المصلحة العامة والخاصة.
أصبح لرأي الناس تأثير قوي يدفع بالمرء إلى التصنع والتزلف والخروج عن المألوف القديم إلى المصطنع، ليصبح المصطنع مألوفا جديدا والقديم تخلفًا.
قد يشعر البعض أن ما يحدث لا يمس الدين، وإنما هو في معترك الحياة، ومن لوازم التطور فقط. والدنيا لا تنفصل عن الدين قيد أُنملة، بل الدين هو قائدها وموجهها.
وفي ذلك تنبيه شديد ووعيد مخيف، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد فأُتيَ به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: ما فعلت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنك قاتلت لِأن يقال هو جريءٌ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار.
وكذلك يؤتى بالعالم القاريء للقرآن فيقال: تعلّمت ليقال عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال هو قاريء. وصاحب المال يُقال له أنفقت ليقال هو جوادٌ. كلهم ابتغوا رضا الناس وتركوا رضا الله فكُبُّوا جميعهم في النار. وقِسْ عليها بقية تصرفاتنا وأفعالنا.
أيها الأحباب : الخيرُ كل الخيرِ في رضا الله، فمن ابتغى رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط عليه الله، وأسخط عليه الناس. فانظروا في رضا من تبتغون، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى.
والسلام عليكم ورحمة الله .