الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
أكمل أبي وفقاً للتاريخ الميلادي 10 فبراير عامين على رحيله متأثراً بالسرطان وهذا أصعب ما مررت به، لتبدأ معي رحلة البحث عن أفق أتغلب فيه على الحالة النفسية المؤقتة التي وصلت إليها، وبما يتلائم مع كافة قدراتي وإمكاناتي الشخصية، فكانت القراءة والكتابة أحد نقاط العبور التي وفت بالغرض ودفعتني للوقوف مع نفسي كثيراً، ومضاعفة الجهد الفردي للخروج من ألم وتعب ورحيل فقدان السند الأول والأخير، وحيث الجهاد مع النفس بالصبر والصراع في التغلب على جميع النوبات التي كانت تنتابني بين الحين والآخر، فأبديت رغم صعوبة الأمر صموداً جديراً بالإشادة – على الأقل مع نفسي-، بانتشال كل الفوضى وتبديد الهواجس، فنبتت بداخلي رغبة بزراعة حلم وهدف تعهدت برعايته والوصول إليه.
تعايشت مع الوضع وكأنني إنسانة ولدت من جديد، فرسمت في لحظة صراحة نادراً ما تحدث بيني وبين ذاتي، خطة تعهدت فيها بإتباع وتنفيذ كافة حذافيرها، كعدم حضور التجمعات والمناسبات المتعلقة بالتأبين والعزاء، وعدم ارتياد كافة الأماكن المرتبطة بفقيدي، بالبحث عن بدائل تفي بالغرض، كالسفر وتنفيذ بعض الأنشطة الرياضية مثل المشي واليوغا والتطوع في تعليم اللغة العربية لبعض الأطفال، وتجنب الحديث مع الأشخاص المحبطين والابتعاد عن السلبيين الذين يزيدون الخوف في نفسي، وأحطتني فقط بالأشخاص والأصدقاء الذين يبعثون فيني الأمل والقوة، فتفاعل كل ما فيني بشغف لأتخلص من آثار الولادة الأولى وتبعاتها.
سعيت للنجاة بنفسي من دوامة الحزن فقررت إثبات نفسي بمنحها أهميتها، ولفظ جميع الأوجاع التي تستفزني، وعزمت وعملت على ممارسة التأمل لتصفية الذهن والوعي والتفكر، ومواصلة العيش بإيجابية واستكمال قصة أرى بأنها ناجحة، وإن فقدت الجزء المهم منها إلا أنني مع المفقود على وعد، في المضي قدماً نحو الجزء الآخر من حياتي وهو المستقبل، بإصرار وعزيمة مع التميز والتفاؤل، ولأن ليس للحلم تاريخ صلاحية وانتهاء، كان أبي يرى فيني الطموح والاختلاف الذي هو رحمه للعالمين، وعليه وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى وبفضل دعاءه الصادق، الحمد لله سعيت بكل ثقة واقتدار في المنافسة للحصول على فرصة الترشيح باستحقاق وجدارة القول والفعل لمواصلة دراستي العليا، فكان لي ذلك، وهو الربح الحقيقي.
لحظتها خالجني شعور الحاجة ليد أبي رحمه الله وصوته الذي لا يبارحني في يقظتي قبل الأحلام، وضحكته التي تسري فيني كلما مضى بي العمر، فتوجهت لله بالشكر والحمد أن أنعم عليه بهذه الفرصة، تحقيقاً لأمنية أسأل الله أن يصل ثوابها إلى روحه، ففي الأيام سر لا يمكن التكهن به، وللأقدار دور في تغيير المكتوب بالدعاء، وبالأيام تزيد الأحلام وإن عز علينا لقاء من كانوا يتطلعون لرؤيتها تتحقق.
وبصورة أخرى أقول لكل من فقد عزيز وغالي، لا تيأس ولا تجعل من الحزن امتداد ينال كُل تفاصيل حياتك ومستقبلك، فبفتح صفحة جديدة مع تطلع لعيش حياة مختلفة، يصحبها تصرفات وسلوكيات تتسم بالجدية حيال المواقف المؤلمة، وعدم السماح للذاكرة بالعودة إلى الوراء إلا في استحضار شريط ذكريات الأحداث الجميلة، والمواقف الممزوجة بالفرح وهو اختيار ينبغي أن يكون متعمداً، سيجنبك الوقوع في لحظة ضعف، والقرار لك وحدك، فعلى الرغم من أن حياة معظمنا مليئة بقصص الفقد سواء لقريب أو بعيد، على اعتبار أن الموت حقيقة مطلقة، ولكنه لا يمنع من التركيز في حُب لُب الحياة وليس قشورها كالناس والأشياء والإصغاء لرغبة الإحساس الداخلية، في الانغماس بمتعة الطبيعة والاستمتاع بجمالها، والعيش بسلام تام وهدوء وتصالح حتى يقول لشيء كن فيكون، فثمة الكثير من الجمال والفرص التي تحيط بنا.