الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
” إن المقسطين عند الله على منابر من نور”، المقسط (بكسر السين ) هو العادل والمُنصف الذي يتجنب الظلم والجور، وهو ذلك الشخص الذي يصلح بين المتخاصمين بدون أن يبخس حق أحدهم، والعدالة هي قيمة إنسانية عظيمة ومن أعظم أوامر الله عز وجل لعباده، قال عز وجل:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فالمقسطين هم الذين يعدلون في حكمهم ويمتثلون لتعاليم الدين في تطبيق الأحكام، ومما لاشك فيه نستنتج من خلال ما سبق أنني بصدد الحديث عن القضاة وهم ممن تنطبق عليهم هذه الصفة بل يجب أن تنطبق عليهم هذه الصفة ، ومن هذا المنطلق سوف أسلط الضوء على دورهم وعلى الضمانات التي تحيط بهم في ظل منظومة القانون.
يعد القاضي من أهم العناصر البشرية في النظام القضائي، ( والذي يتمثل في الأشخاص الذين يعملون في المحاكم)، على سبيل المثال: (أمناء السر، المحضر، الإدعاء العام، المحامي، رجال الشرطة، الخبراء وغيرهم)، وإلى جانب أعوان القضاة، يعد القاضي هو الشخص الذي يجلس على منصة الحكم للفصل في المنازعات وفصل الدعاوي، والمعين من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإدارية للقضاء وبناءا عليه هناك شروط لابد من التوافر في شخصية القاضي ليتم قبوله منها:
أ/ أن يكون عماني الجنسية، ب/ أن يكون محمود السيرة والسمعة، ت/ أن يكون حاصلا على شهادة في الشريعة الاسلامية أو القانون، ث/ ألا يكون قد صدرت ضده أحكام جزائية أو تأديبية لأسباب ماسة بالذمة والشرف، ولو كان قد رد إليه اعتباره، ج/ أن يجتاز المتقدم الإختبارات والمقابلات.
أما ضمانات القاضي فتتمثل في الآتي:-
أولا: ضمانة القاضي في مواجهة السلطة التنفيذية:-
١/عدم قابيلة القاضي للعزل، بمعنى أنه لا يجوز عزله من وظيفته ولا يحق للسلطة التنفيذية ان تستخدم طرقا لعزله وهذا معزز بنص دستوري في استقلالية السلطة القضائية ولكن بكل تاكيد ليس مطلقا فهناك إستثناء على هذا الأصل.
٢/قواعد خاصة للقاضي في الترقية، والراتب، والندب
وذلك من منطلق توفير الإستقرار والطمئنينة أثناء أداء عمله لحسن الأداء وجودته، على سبيل المثال راتب يوفر حياة كريمه له حتى لا يطمع القاضي ولا يخضع لأي اغراءات، أو النقل ويكون بقرار مجلس الشؤون الإدارية للقضاء حتى لا يتم تعسف إستحدام الصلاحيات.
٣/ تقرير حصانات للقاضي كتلك الحصانة التي تفيد بأنه لا يجوز القبض على القاضي إلا بإخطار مجلس الشؤون الإدارية للقضاء وفي حالة إقامة دعوى عليه أو في حالات الحبس الإجرائي تستوجب عدم معاملته إلا بطرق خاصة.
٤/محاسبة القاضي، كمثل باقي البشر قد يرتكب القاضي أخطاء فما إذا تم ذلك يعاقب ، كحال إرتياده أماكن غير مسموح له أو التغيب عن العمل وكل الأسباب التي تمثل تعدي على وقار وهيبة القضاء، ولذلك يمكن أن نستخلص بأن وظيفة القاضي عليها بعض القيود الواجبة. فالدعوى التأديبية عليه تكون بناءا على طلب رئيس مجل المسألة التأديبية التي تتكون من كبار القضاة. أما جلسات المسألة تكون سرية حفاظا على هيبة القضاء ومن يقوم بالدفاع عنه قد يكون قاضي اخر، كما تتمثل الجزاءات الموقع له في إما توجيه اللوم أو النقل إلى وظيفة إدارية أو العزل.
ثانيًا: ضمانة القاضي في مواجهة الخصوم:-
وهذه الضمانة مقررة لأسباب قد تتمثل في حالة أن حكم القاضي غير عادل بنسبة للخصوم فيرجع على القاضي بالتعويض وهذا أمر غير مسموح له حفاظا على القاضي إلا أن هناك ما يسمى دعوى المخاصمة تتيح للخصوم الرجوع على القاضي، والمختص بالنظر في هذه القضية يعتمد على درجة القاضي لذلك المختص يكون القاضي الأعلى أو صاحب الدرجة الأعلى، ولقيام هذه الدعوى لابد من توافر أسباب محددة وهي منصوصة في القانون على سبيل الحصر أي لا يجوز التوسع فيه وهم ( كإذا ارتكب القاضي غش أو تدليس في إخفاء أحد المستندات المهمة أو تحوير شهادة) إلا أن من أصعب ما قد يواجهه الخصوم في هذه الدعوة إثبات سوء نية القاضي.
ثالثًا:ضمانة القاضي في مواجهة نفسه ومصالحه:-
أ/ لا يجوز الجمع بين وظيفة القاضي وبعض الأعمال كالتجارة (حتى لا يتأثر بعمله)، وأعمال السياسة والتحكيم (وبنسبة للتحكيم يمكنه العمل بناءا على طلب الدولة، أو بإذن منها).
ب/إبعاده عن بعض القضاية لعدم صلاحيته، وهم حالتين: الأولى تتمثل في رد القاضي وهو طلب يتقدم به أحد الخصوم يطلب فيه تنحي القاضي عن النظر في الدعوى لتوافر سبب من أسباب رده منصوصه في المادة 144 من قانون الإجرات المدنية العماني، والحالة الثانية هي عدم صلاحية القاضي مطلقا أي ان القاضي غير صالح للنظر والحكم بصفة مطلقة حتى لو قبل الخصم الاخر فالحكم يكون حينها باطل بلان مطلق ومنصوص عليها في المادة 142 من قانون الإجراءات المدنية.
والجدير بالذكر أن النظام الأساسي للدولة (التشريع الأعلى) أكد على ضرورة استقلال القضاء، والذي يعتبر من المبادئ المهمة التي ازداد العمل بها في عصر الإسلام الذي بين أهمية دور القاضي العادل في تأدية وظيفته بصورة مستقلة، فعلى القاضي أن يستعد لهذه المهمة بصورة جيدة، وأن لا يتقاعس في إيضاح الغموض وكشف الحقيقة، وأن لا يستحي في إظهار الحق، فهو في مرتبة عليا ومكانة موقرة يجب عليه الحفاظ على ذلك.