الصحوة – حمد بن ناصر السناوي
منذ أشهر حضر للاستشارة شاب في بداية العشرينات من العمر يعاني من الاكتئاب، فرغم تفوقه السابق في دراسته أدت حالته النفسية إلى تدهور في تحصيله الدراسيّ حرمه من دخول الكلية التي كان يحلم بها، ولم يقتصر الأمر إلى هذا الحد، بل أصبح يعاني من فقدان الثقة بنفسه وبمن حوله، اختار الهروب من قريته وتجنب التواصل مع أسرته والحياة وحيدًا في المدينة الكبيرة، يعمل في وظيفة لا يحبها ويدخر راتبه البسيط ليوم أكثر سوادًا، سألته عن سبب هذه السوداوية، فأخبرني بعد تردد بأنه تعرض للاعتداء الجنسي وهو في عمر الثامنة من فتى يكبره بعشرة أعوام وعندما استجمع شجاعته وأخبر والده بالموضوع لم يفعل الأب شيئًا؛ لأن المعتدى من الأسرة نفسها، نصحه الأب بتجنب المعتدى وعدم الحديث عن هذا الموضوع، يقول المريض “صعقت من ردة فعل أبي وعرفت معنى الهزيمة لأول مرة في حياتي وأنا أرى الفاعل ينجو بفعلته بل يستمر في التحرش بأبناء الجيران، وإنتابني الأرق، و القلق، ونوبات الرعب، والصراخ دون سبب، لزمت المنزل و رفضت الذهاب إلى المدرسة، أشفق علي والدي وأراد الذهاب إلى الشرطة لكن والدتي هددت بطلب الطلاق إذا قمنا بذلك، اكتفى والدي بالانتقال إلى منزل أخر، لكن حرقتي لم تتوقف، شعرت بغضب شديد وقمت بجرح نفسي للتخلص من الألم الداخلي، وللأسف أصبحت تلك الطريقة الباسئة سلاحي في التعامل مع الصعوبات.
لا تزال جرائم الاعتداء الجنسي تحدت رغم محاولات التوعية بعواقبه الجسدية والنفسية التي تستمر لسنوات نجد بعض الأسر لا تزال تتهاون في الأخذ بالأسباب وتجنب وقوع الأطفال والمراهقين فريسة لمثل هذا الاعتداء أو اتخاذ الإجراءات الأزمة بعد وقوعه، فلا شك أن طريقة تعامل الأسرة مع الحادثة تترك أثرا عميقا في نفسية الطفل وتحدد مدى الألم النفسي الذي تخلفه، فالمريض الذي ذكرته في بداية المقال حرم من الدعم النفسي والمعنوي و أستنتج أن والديه لا يهتمون أمره و شعر بالخيانة من أقرب الناس إليه.
تشير الدراسات النفسية أن تعرض الطفل للاعتداء الجنسي أو الجسدي يترك آثار سلبية على شخصيته وطريقة تعامله مع الأخرين مستقبلا، بعض ضحايا الاعتداء يؤنب نفسه لسنوات عديدة خاصة إذا سمع من الأخرين من يقول بأنه هو المسؤول عن وقوع الاعتداء لأن سلوكه جعله فريسة سهله للتحرش، بل أن البعض يدعي بأن الضحية يستمتع بالاعتداء؛ لانه يلبي رغباته الجنسية المكبوتة، كل هذه الأكاذيب تهدف إلى تحطيم الضحية نفسيا وتحميله المسؤلية.
بقي أن نقول بأن حماية الأطفال والمراهقين مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى لذا يجب تنبيه الطفل بعدم السماح للآخرين بالاقتراب من المناطق الجسدية وكذلك عدم الاختلاء بمن هم أكبر سنا والابتعاد عن المواقع الإباحية التي تثير الغرائز وتشجع الأطفال والمراهقين على ممارسة السلوكيات الجنسية المختلفة.