الصحوة – سليمة بنت عبدالله المشرفية
من طبيعة النفس الإنسانية أنها تهتم بمصلحتها أولا وقبل كل شي وهذا لا يعدُّ عيبا بل هو مقدارٌ يحتاجه الإنسان للحفاظ على كمال وجوده في هذه الحياة ولكن أن يتحوّل هذا الطبع الإنساني إلى الإفراط فيصبح شعاره أنا والطوفان من بعدي فهذا أمر غير مستساغ سيّما من المؤمن؛ فطبيعة المؤمن تقتضي أن يكون محباً للحق ومع الحق ولو كان على حساب نفسه!
إن الإفراط في طبع الأنانية يتناقض مع الإيمان “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبّه لنفسه”
يحب لأخيه الخير ماديا فيقدمه في أمر يرى أنه في حاجة إليه أكثر منه ويحب له الخير معنويا بالفرح له فيما بلغه الله إليه من خيري الدنيا والآخرة
لقد تنامى هذا الطبع في مجتمعنا مؤخرا حينما وسّع الله لمجتمعنا بفضله وإحسانه في الرزق فأصبح كل فردٍ همه كم ينل من هذا الغنائم من نصيب وإن كان على حساب أخيه المحتاج فلا يجد الفرد منا حرجا في التقدم لأرض مرة ومرتين وثلاث وهو لديه أراضٍ غيرها ولا يجد حرجا في المطالبة ببيتٍ من الجمعيات الخيرية أو وزارة الشؤون وهو يملك بيتا بنته له الأسكان مثلا أو يطالب الأخرى ببيتٍ آخر “مسلّح” وهو لتوه انتهى من بناء بيته بحرّ ماله وبالمواصفات ذاتها!
لم تكن هذه صفات المجتمع العماني فيما مضى فقد كان رغم الجهل والعازه والحالة الاجتماعية والاقتصادية المزرية إلا أنه كان مجتمعا تعوّد أفراده على محبة الآخر وإيثاره فالجار لا يأكل قطعة لحمٍ من غير أن يقتسمها مع جيرانه بل ولا سمكة ولا فاكهة إلا ويتقاسمها مع جيرانه متمثلين في ذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”
لقد كانت الصدقات توزّع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فيُقصد بها بيتا مشهورا بفقره وعازته فيأتون أهله فما يكون منهم إلا ردها منبهين صاحبها أن هناك من هو أشد فقرا منهم وهكذا، بينما نجد في عصرنا أسرا وسّع الله له في رزقه بل وله أرصدة بنكية مرتفعة ومع ذلك لا يوجد حرجا من أكل مال الزكاة غير آبهٍ بالجريرة التي أتاها ؛فمن وجهة نظره أن الآخرين ليسوا بأشد حاجة منه!
إننا لو أردنا تلخيص مشاكلنا في مجتمعنا العماني خاصة والمجتمعات العربية الأخرى بكلمةٍ واحدة لكانت الأنانية
ولكنا وضعنا أيدينا على الجرح النازف بجدارة وهي الأنانية المفرطة التي لا ترى سوى مصلحة صاحبها ولا تبالي إن تعطّلت بذلك مصالح سواها من البشر ، وهذا أيضا نلمسه في كلمات (المطبلين) للحكومة فهم لا يهتمون بمشاعر المحرومين من حولهم ممن ظُلِم بفعل القوانين غير المدروسة أو اختلّ توازنه المادي والمعيشي بسبب ذلك ، و تراهم لا يتورّعون أحيانا بنسْب النوايا السيئة إلى هؤلاء القلقين بشأن وضعهم المالي فينسبون إليهم قلة القناعة وانعدام الوطنية بل والخيانة أحيانا ، وهم لو كانوا يعانون مثلما يعاني الفقراء المعدومين ربّما لم يتورعوا من السرقة والنصب والفساد ، وتلك لعمر الله بلوى عامة استشرت في بعض المجتمعات حتى قضت على أمنها وأمانها ، والكيّس من اتّعظ بغيره قبل أن يصبح لغيره عبرة ومثلا !!