الصحوة – نصر بن منصور الحضرمي
في هذا اليوم المبارك، تتعانق السماء والأرض كأحضان حنون تتلقى حجاج بيت الله الحرام. تتدفق الروح الإيمانية في جبل عرفة كنهر عظيم يمتد من نبع الوحي الإلهي، ليروي قلوب المؤمنين بفيض نعمة الله وهدايته.
فهنا، على هذه البقعة المباركة، تتجلى عظمة الزمان والمكان. فالزمان يشهد على رحلة الإيمان التي بدأت بسيدنا إبراهيم عليه السلام حين أجاب نداء ربه بذبح ابنه الوحيد. وها هم حجاج بيت الله يجيبون النداء ذاته، ويقفون في هذا الموقف العظيم ليجددوا عهدهم مع الله والتزامهم بشرعه.
أما المكان، فهو جبل عرفة والوقوف فيه اعظم مناسك الحج. هنا، تنحني القلوب خشوعاً وذلاً بين يدي الله العزيز الجبار، مقرين بعظمته وكبريائه. هنا، تتطهر النفوس من دنس الذنوب والخطايا، لتعود إلى الله تائبة نقية كما خلقها.
في هذا اليوم المبارك، تحتفي السماء بأبنائها العائدين إلى ربهم، وتبث عليهم من رحمتها وبركاتها. فليكن هذا اليوم موعداً لتجديد العهد مع الله، وتجديد النفس بالتوبة والاستغفار، لنكون أهلاً لنعمة الله ورضوانه.
اليوم الكل سواسية، لا ارض تميزهم ولا جنسية ينسبون اليها.. غنيهم وفقيرهم أبيضهم وأسودهم يقفون جنب بعضهم رافعين الأكف صفا صفا في مظهر افتقار وتذلل لخالقهم ، وكم نحن بحاجته في عالم اليوم الذي يطغى بالمادية وخفوت الربانية، في جبل عرفة تعتلي اصواتهم بالدعاء محفوفة بالرجاء والخوف في آن واحد. فهي استغاثة قلوب تعي عجزها امام عظمة الله وجلاله وتتطلع الى لطفه وكرمه ليغفر لها وينعم عليها.
في هذا اليوم المبارك، يباهي الله تعالى بأهل عرفات أهل السماء، كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه. فهؤلاء الحجاج، وقد تركوا خلفهم زخرف الدنيا وزيفها، يقفون على أرض عرفات في خشوع وتذلل، متضرعين إلى الله بالدعاء والابتهال.
وتنظر السماء بإعجاب وتقدير إلى هؤلاء العباد، شُعثًا غُبرًا، قد تركوا كل ما في الدنيا طمعًا في رضا الله ورحمته.
فما أعظم هذا المشهد المهيب، وما أرفع هذه المناسبة المباركة! إنها لحظات اللقاء بين العبد وربه، وقفة الخضوع والخشوع أمام جبروت الله وجلاله.
فمن كل بقاع العالم ومن كل الاجناس والاعراق اجتمعوا في هذا المكان الطاهر لغاية واحدة وتحت راية لا اله الا الله ، هذه الراية لو اجتمع المسلمون حولها اليوم لصلح حالهم وتحولت دولهم من دول تعج بالحرب والدمار الى شعلة سلام تنير العالم كما كانت في سابق الازمان قوة امام الظلم والطغيان .
فليكن هذا المشهد العظيم الذي يتكرر كل عام منارة تهدي الأمة إلى ما فيه خيرها وسعادتها في الدنيا والآخرة. وليكن لواء لا إله إلا الله راية توحد كلمة المسلمين، وتجمع شتاتهم، وتعيد لهم مجدهم وعزتهم في الأرض.