الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
الفساد من أقدم الظواهر السلبية التي اتصلت بالإنسان، بل تعتبر من الثوابت المرهقة المرافقة لمسيرة الإنسان في كل مكان وزمان، ومهما اختلف الفقه والتشريع والقضاء على تحديد تعريف اصطلاحي له، إلا أنهم بدون أدنى شك اتفقوا على مضمونه وجوهره الذي يفيد بأنه تعثر اخلاقي في سلوك الإنسان يقودنا إلى فقدان قيمة العدالة في المجتمع والإخلال بالنظام.
وبالرغم من تنوع صور الفساد، وتعدد أشكاله ومسمياته، واختلاف دوافعه وغاياته، إلا أن القانون يكافحه من كل حدب وصوب وفي كل موقع قد يظهر فيه شرارته لسد ثغراته الصغيرة قبل أن تحدث فجوة كبيرة، إلا أن ومع شراسة وصارمة دفاع القواعد التشريعة لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد المجتمع بإستمرار، إلا أن كلمة الإستقرار ومفتاح الإنتصار هو بيد الإنسان لا النظام.
من أخطر عناصر الفساد هو مواكبته لتطورات الحياة، مما يجعله خطر متطور تجدد طرقه ويتحدث منهجه، إلا أنه في المقابل خطر ساكن لا يعرف الحركة، أي أن لا يتصور قيامه دون إنسان يوظفه لخدمة أهدافه، ويكفيه حسب آلياته، ويغلفه بما يتناسب مع الموقف فعلى سبيل المثال هناك من يستخدم الاستثناء كشماعة وأسلوب يتحقق من خلالها الفساد، وهناك من يجند النصوص التشريعية للإلتفات حول القانون ومحققًا بذلك نتيجة الفساد، لذى أقول من وجهة نظري لن يستطيع المجتمع اقتلاع هذه الممارسات من جذورها بدون اصلاحات فكرية تصل لمستوى الإدراك ليستوعب الإنسان ويعي فتتأثر بعدها نشاطه وسلوكياته.
من خصائص الفساد أنه متعايش، أي أن ليس بالضرورة اكتشافه في حينه أو في اللحظة التي يتجسد فيها في مظهر مادي محسوس، بل قد يكتشف بعد فترة طويلة أو قد لا يكتشف من الأساس، إلا أن في جميع الأحوال يشكل في المقابل تراكمات خطيرة سواء في داخل الانسان أو في بيئته، بحيث في النهاية بسبب تفاقمه يصعب علينا إزالته دون اتخاذ اجراءات جريئة وخطوات مؤذية، فضلا عن أن بعد كشفه لابد من مداواة الجروح البالغة التي تسببها في الخفاء.
لن اتلوا عليكم أمثلة عن الفساد، وذلك على اعتبار أننا جميعًا نستطيع قياس تصرفاتنا والعلم ما إن شكلت فسادًا، وكما أنني متأكدًا بأنني قد مارسته يومًا ما، لا أظن بأنه لم يكن ممارساً من قبل الكثير منكم ولو مرة، ولكن الفارق هنا من ينتبه ويدرك مخاطره ويتجنب تكراره ويحارب وجوده واستمراره، فكما يعد الإنسان بأنه أفضل صديق للفساد، في ذات الوقت يعد الإنسان ألد عدوًا له.
القانون يُكيف بناءا على رغبة الإنسان وإرادته بحيث أنها تنظم حياته وتلبي احتياجاته، أما الأنظمة والمؤسسات مصيرها تتأقلم حسبما هو مشرع في القانون، ولكن تبقى العادات والتقاليد والممارسات أسيره للأفكار منسجمة معها، مهما كانت تحمل من خصال وقيم سيئة ونفس آمرة بالسوء والأنانية؛ لذى محاربة الفكر وتطهيرها هي أفضل إنطلاقة لبتر الفساد، ومن ثم من خلالها نرفد المجتمع بنماذج حسنة يقتدي بهم باقي الأفراد لنتدرج من خلالها وفق لإستراتيجية مدروسة بأن يصل مؤشر الفساد إلى الرقم صفر .