الصحوة – د. حارب بن سعيد الهنائي
إن أغلبية دول العالم تلجأ إلى الاقتراض من المؤسسات المالية المختلفة ، واصبح الدين ليس مقصورعلى الدول النامية ذات الإيرادات القليلة والضعيفة فحسب وانما هناك دول متقدمة اقتصادياً ، واكبر الكيانات الاقتصادية في العالم تقترض مثل الولايات المتحدة الامريكية واليابان وألمانيا وفرنسا وغيرها ، لكن هناك فروقات كبيرة في طريقة أدارة الاقتصاد والدين العام من دولة صناعية تتمتع بإقتصاد قوي وناتج محلي اجمالي مرتفع وصناعات واستثمارات عملاقة ، ودولة أخرى نامية معتمدة في إيراداتها على القروض وعلى موارد طبيعية بمستويات أولية للتنمية الصناعية وانخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي ، ان الدين ينقسم الى قسمين ، دين داخلي ، أي ان الدولة تستدين من البنوك المحلية من خلال سندات واذون خزانة او طرح سندات حكومية في البورصة ، ويعد هذا الاستثمار بالنسبة للبنوك التجارية والمؤسسات المالية آمناً ويحقق ارباحاً مرتفعة واغلب هذه القروض قصيرة الاجل ، وتلجأ الدولة احياناً الى سياسة نقدية من خلال سحب السيولة النقدية من الأسواق للحد من ارتفاع الأسعار الذي يعرف بالتضخم 0
اما الدين الخارجي حين تأخذ الدولة قرض من المؤسسات المالية خارج الدولة ، منها البنوك التجارية أومن البنك الدولي أومن صندوق النقد الدولي او من حكومات بعض الدول ، وهذه الديون مجدولة وتنقسم الى ديون طويلة الاجل ، تسدد بعد سنوات طويلة ، وديون قصيرة الاجل تسدد في فترات قصيرة ، والدولة تأخذ الدين أحياناً لاجل ان تستثمرهذه الاموال في مشاريع إقتصادية اواستحداث مشاريع تنموية جديدة التي من شأنها تقوية الاقتصاد ونموه ،او لسداد ديون سابقة او لسد عجز في الموازنة العامة للدولة بسبب زيادة المصروفات عن الإيرادات ناتج عن ركود اقتصادي طارىء 0
قد طالب صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 2020 دول العالم بالانفاق على دعم الاقتصاد بالرغم من ارتفاع الدين العام العالمي الذي تجاوز 89 تريليون دولار وذلك للتغلب على الازمة الاقتصادية التي سببها وباء كورونا ، وقد بين هذا التقرير ان الزيادة في الانفاق وارتفاع سقف الدين العام وعجز الميزانية كان اكبر في الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية وهذا ما يحدث غالباً في اوقات الازمات الاقتصادية ، حينها تلجأ الدول الكبرى الصناعية خاصةً للاستدانة لتحريك الاقتصاد المحلي من الركود 0
ليس هناك من خطر حقيقي في حصول الدولة على القروض ، انما الخطران يكون القرض هو الحل الأمثل للإدارة الاقتصادية حتى يصل بها الى حافة الخطر ويصبح الدين عبئاً على موارد الدولة ، مع استمرارية الأداء السلبي للاقتصاد ولسنوات طويلة ، وعدم ترشيد الانفاق بشكل حقيقي ، واستمرارية حجم النفقات اعلى من حجم الإيرادات وبدون حلول ، ان الاستمرار في طلب القروض لدعم موازنة الدولة يدل على فشل السياسات الاقتصادية المطبقة مع ضعف الإدارة الاقتصادية وخاصةً في بعض الدول النامية ، اما الدول المتقدمة صناعياً في اغلب الأوقات تتجه نحو الاستدانة في أوقات الازمات لاجل دعم وتمويل المشاريع الاستثمارية الإنتاجة وتحريك السوق وخاصة مشاريع الشركات الكبرى والتي لها مردود اقتصادي كبير بدل من بيع الأصول ، ومهما ارتف سقف الدين العام عن نسبة الناتج المحلي الإجمالي إلا ان هذا النوع من الدول لديها قدرة كبيرة على الاقتراض في ظل انخفاض معدلات الفائدة وبالتالي قلة تكلفة القرض والثقة التي تحصل عليها من أسواق مقدمين القروض ، ومع ذلك قادرة على سداد هذه الديون لما تتميز به من اقتصاديات قوية ، ولكن يختلف الوضع بالنسبة لتراكم الديون على بعض الدول النامية ذات الاقتصاديات الضعيفة 0
تلعب الزيادة في معدل نموالناتج المحلي الإجمالي دوراً مهماً في تخفيض أعباء الدين ، اذا لم يكن هناك زيادة كبيرة متوالية في ارصدة الدين العام ، وان اغلبية دول العالم عليها ديون كبيرة جداً ، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية الذي تجاوز الدين العام 27 تريليون دولار ، واليابان التي تتصدر قائمة اكثر دول العالم مديونية حين بلغت نسبة الدين السيادي 238 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 م ، ومع ذلك هذه الدول تعد من الدول الصناعية الكبرى ومن الدول ذات الاقتصاد القوي 0
ان تنويع مصادر الدخل هو الحل الأمثل وخاصة للدول التي تعتمد في موازناتها على ايرادات موارد طبيعية وتعاني من الازمات الاقتصادية التي تضرب الاقتصاد العالمي بين فترة وأخرى ، من خلال تسخيرهذه الموارد لخدمة القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل الاستثمار في البنية التحتية والسياحة والتجارة والصناعة في مجالات مختلفة ، وضخ الأموال في الاستثمارات وتشجيعها والتحول الاقتصادي نحو التنمية المستدامة والعمل على السوق من خلال تحريك الأموال وتدويرها في مشاريع استثمارية منتجة ومربحة واشراك وتحفيز القطاع الخاص ووضع اجراءات مبسطة ومغرية للاستثمارات الخارجية ، وإصلاح السياسات الضريبية لكي تأخذ دورها في تمويل ميزانية الدولة بدل من الاعتماد على الريع الخارجي على ان يكون متماشياً مع نمو القطاعات المنتجة ، وتخفيض الانفاق ، وتحقيق النمو الاقتصادي المتوازن لكافة القطاعات من خلال توجيه الاستثمارات حسب الحاجات القطاعية مع التركيز على القطاعات الحيوية المُنتجه وذلك من خلال تهيئة بيئة استثمارية ملائمة تعتمد اساساً على بنية تحتية متكاملة ، وعدم التسرع في اتخاذ سياسات ضريبية غيرمدروسة قد تضر بالاقتصاد الكلي من افراد وشركات ومشاريع استثمارية أخرى0
إن ما تسببه الازمات الاقتصادية العالمية من خسائراقتصادية كبيرة لاقتصاديات دول العالم ، ينتج عنه انخفاض في الايرادات وزيادة المصروفات الذي يصل بها الى الاستدانة ، وبذلك تؤدي الى ارتفاع سقف الدين العام الذي يشكل عبء كبير على موازنات هذه الدول ، ان القروض أصبحت امراً ضرورياً في ظل الازمات المالية ، الا ان لايحبذ الاتجاه الى تراكم الديون والحصول عليها إلا في حالات الضرورة وبشرط ان لاتصل الى مرحلة الخطر مقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي وخاصة في الدول النامية التي أصبحت الديون وفوائدها تشكل لها عبء كبيرعلى موازناتها وتعاني من عدم القدرة على سدادها وبالتالي البقاء في دوامة الديون ولعقود طويلة من الزمن ، مما تضطر إلى اتخاذ إجراءات مالية قاسية على مواطنيها من حيث فرض الضرائب وزيادة الرسوم بطريقة متلاحقة في ظل ظروف مالية صعبة يعاني منها المواطن قبل الدولة ، تعد المديونية احدى القضايا الأكثر أهمية في العالم اليوم ، حيث انتقلت مشكلة المديونية من الدول النامية او الفقيرة الى الدول الصناعية الكبرى في العالم ، لما لهذه المشكلة من اضرار إقتصادية جسيمة ومشاكل تنموية في الحاضر والمستقبل 0