الصحوة – أحمد بن إبراهيم النقبي
خلق الله تعالى الإنسان للعبادة وتعمير الأرض وحرصت الدولة على تيسير الإعمار على المواطن العماني بطرق شتى ابتداء من منح الأرض الى تسهيل القروض الإسكانية.
يأتي السكن في مقدمة إحتياجات الإنسان بعد سد الجوع لذلك يكتسب أهمية كبرى لإستقرار الشعوب وقيام الحضارات الإنسانية ووجب تيسيير أموره من قبل الحكومات على المواطنين وهذا ما جرت علية الأمور منذ بداية النهضة الحديثة التى أرسى مبادئها المغفور لة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراة وجدد الوعد على المضي على نفس النهج السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاة.
شهد النمو السكاني في العقود الماضية نموا مضطردا وزاد الإقبال على طلب الأراضي مما أفرز ضغوط كبيرة على وزارة الإسكان والتخطيط العمراني لإيجاد المخططات السكنية لتواكب الأعداد الهائلة من الطلبات وفي المقابل زادت فترة الإنتظار لدى المواطنين للحصول على هذه الأراضي وكحلول سريعة تم تخطيط مساحات في مناطق بعيدة لا تتوافر فيها الخدمات مما زاد من التذمر وعدم الرضا وبدأت تتكشف الكثير من التجاوزات في منح بعض فئات المجتمع لمساحات شاسعة تكفي لأحياء سكنية كاملة وفي مواقع مكتملة الخدمات وبدأ التساؤل هنا عن الكيفية والمعيار الذي منح هؤلاء الحق للحصول على تلك الأراضي في ظل مبدأ تساوي المواطنين في الحقوق والذي كفله النظام الأساسي بينما الآخرين يحصلون وبعد طول إنتظار على مساحات صغيرة وفي أماكن تفتقد للبنى التحتية والخدمات التي تجعل الإستفادة منها غير ممكنة فيتم بيعها بثمن بخس يسهم في ظهور طبقة الإقطاعيين إن صح التعبير والذين يستغلون حاجة الناس وفشل المخططين ليستحوذوا بدورهم على الكثير من قطع الأراضي والتي يغالون في أسعارها بعد ان تاتي البشائر بوصول النزر القليل من الخدمات والتي يمكن للبعض من أن يشرع في البناء على إثرها فتنشأ البيوت متناثرة عشوائية تفصلها مساحات شائعة يصبح معها توفير الخدمات وإكتمالها شاق ويستغرق وقت أطول.
فبدأ الحديث عن تجاوزات في ممارسات المنح للأراضي من قبل البعض مما يستوجب تفعيل الرقابة والقيام بمحاسبة المسؤول عن تلك التجاوزات ومع العهد الجديد تم إجراء الكثير من التغييرات الوزارية واستبشر المواطنين خيرا في الكوكبة الجديدة ممن كان معايشا بشكل أكبر لأوضاع عامة الناس ومستشعرا لحجم المعاناة بحكم وجودة قريبا منهم.
اليوم أتى التغيير الذي طال إنتظاره ولكن عكس ما أراده معظم الناس بل كان التغيير صادما في نظام منح ألأراضي من حيث الشروط والضوابط والتي أتت في المجمل لتعمق معاناة الناس بل لتصل بهم لدرجة الإحباط ففقد الكثير ممن طال إنتظارهم حق الحصول على الأرض وتم خلط الذمم المالية بالتمليك المشترك للأراضي الممنوحة او إنتظار بلوغ سن الأربعون عاما دون مراعات للكثير من الجوانب والتي تم التطرق إليها من قبل الكثير ولا يتسع المجال للإسهاب فيها.
بيد أني سأعرج على بعض الجوانب التي كان من المفترض الأخذ بها وكذلك بعض وجهات النظر فيما يخص تنظيم عملية منح الأراضي والإعمار خصوصا السكنية منها.
شابت صياغة النظام الجديد عدم الأخذ بمشورة وآراء الكثير من الجهات منها الجهات التشريعية كمجلسي الدولة والشورى وكذلك المتخصصين في المجال العقاري ناهيك عن المستفيد المباشر من الخدمة المواطن.
كان بالإمكان عقد الكثير من الورش النقاشية والإستطلاعية وأخذ الآراء عبر الوسائل الحديثة ومنصات التواصل الإجتماعي والذي باتت الأمور ميسرة من خلالها وهذا كان المتوقع من النهج الحديث في الإدارة.
من وجهة نظري والكثير يشاركني هذا الأمر بأنه كان يجب الإنطلاق من تصحيح الأمور أولا عبر تفعيل المحاسبة ضد من يثبت علية التجاوز ومصادرة ما تم التحصل علية بالباطل خصوصا المخططات الغير معمرة أما المعمرة يمكن التفاوض وطرح بعض التسويات بشأنها دون الإخلال بمبدأ المحاسبة إن كان هناك تجاوز مرتبط بها وذلك سيبعث على الكثير من الإرتياح والثقة لدى عموم الناس.
المقترحات التي يمكن الأخذ بها عند وضع القانون والتي ستحل الكثير من الأمور كالبناء العشوائي للمساكن في المناطق الجديدة وكذلك سد أبواب إستغلال الناس بالشراء منهم بأثمان زهيدة وكذلك التخفيف من ضغط الطلبات كالتالي:
-التمليك المربوط بالتعمير مما يعني بأن من هو جاهز للبناء ومستطيع له سواء كان ذكرا أو أنثى يمنح الأرض ليباشر فيها البناء دون كثير إنتظار ويتم التوزيع للمراحل التخطيطية تدريجيا بحيث لا يمنح الإذن بالبناء في مرحلة ما بالمخطط مالم تكتمل المرحلة التي قبلها مما سينتج عنه مناطق أكثر تنظيما واسهل لإنشاء البنى التحتية والخدمات تدريجيا.
-تحديد المساحات الممنوحة فالنظام أيضا يجب أن يحدد الحد الأدنى من المساحة والحد الأقصى فلا يعقل أن يمنح مواطن 300م وآخر 300000م فهذا يتنافى مع تساوي الحقوق وفقا للنظام الأساسي للدولة.
-الإستفادة من شركات التطوير العقاري أو الشركات العاملة في مجال تجهيز البنى التحتية لتطوير مخططات مكتملة الخدمات أو شبه مكتملة أو بناء وحدات سكنية ملائمة ومتوافقة مع النمط العمراني السائد يتم توزيعها على الراغبين بأثمان معقولة وأقساط ميسرة طويلة المدى منتهية بالتمليك مع رسوم يساهم فيها الحكومة والأفراد أو الأفراد فقط شريطة أن تكون يسيرة وكذلك يمكن حث البنوك وشركات التمويل العقاري على الإستثمار في هذا الجانب.
في الختام تجدر الإشارة بأن هناك الكثير من الأفراد والجهات المختصة في مجال التنظيم العقاري والتخطيط العمران وكذلك العديد من التجارب الدولية في هذا الشأن يمكن الإستفادة منها مع وجوب إشراك كافة الأطراف ذوي العلاقة والمصلحة كتوجه حضاري يساعد على الخروج بنظام متوازن ومقبول يلامس حاجة وتطلعات الناس.