الصحوة – علي بن محمد الحامدي
رئيس مجلس إدارة شركة أزر للهندسة والاستثمار القابضة
في شهر ابريل الفائت أثبتت “وكالة التصنيف السيادي الامريكية S&P ” التصنيف الائتماني للسلطنة عند مستوى B+/B مع نظرة مستقبلية مستقرة. لقد جاء هذا التصنيف إيجابيا الى حد ما بفعل الاجراءات المالية التي اتخذتها السلطنة والتي من المتوقع أن تخفض العجز وتحسن من مستوى المركز المالي للسلطنة وترفع تصنيفها الائتماني مستقبلا وفق ما أشار اليه بعض المحللين الاقتصاديين والمتابعين للشأن الاقتصادي بالسلطنة.
ان تلك الإجراءات التي تم اتخاذها انما أتت من واقع فرض الضرائب المتنوعة كضريبة الدخل على الشركات والتي وصلت إلى 15٪ والضريبة الانتقائية على المشروبات المحلاة والتي بلغت 50٪ من سعرها الاصلي. اضافة الى رفع الدعم الحكومي عن الوقود والكهرباء والمياه. ورفع رسوم كافة الخدمات الادارية الحكومية وزيادة أعدادها. إضافة الى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بشأن تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة5٪ على كل السلع والخدمات عدا الأساسية منها.
ان ثمار تلك الجهود من الضرائب والرسوم قد آتت أكلها في رفع مستوى التصنيف الائتماني للسلطنة مما سوف ينعكس إيجابيا على مناخ البيئة الاستثمارية بالسلطنة. وقد يخفف من سلسلة الضغوط التي يمارسها البنك الدولي على كافة دول مجلس التعاون الخليجي من اجل تحقيق التحول الاقتصادي المنشود.
لكن في المقابل تبقى كل تلك الجهود على كف عفريت وعلى درجة عالية من الخطورة ما لم ترافقها خطة أخرى تعمل على زيادة دخل الافراد والشركات بشكل متوازن ومتناسق مع الخطة المالية.
ان قياس متوسط دخل الافراد والشركات سنويا وتحديد مستوى خط الفقر لكل فرد بما يجعله مستحقا لكفالة المظلة الاجتماعية. والعمل على اعداد خطة لرفع ذلك المستوى من الدخل في كل عام عن السابق، لكفيل بضمان النجاح الحقيقي لخطة التوازن المالي، بل والتسريع فيها.
ان الاهتمام بزيادة دخل الافراد السنوي من الأولويات المهمة التي يجب ان تضطلع بها الحكومة من خلال بعدين أساسين:
البعد الاول: العمل على تحسين بيئة الرواتب والاجور في القطاعين العام والخاص وربط ذلك بالكفاءة والانتاجية.
البعد الثاني: تشجيع الافراد على الاستثمار في مواهبهم وطاقاتهم ومدخراتهم بشكل مقنن ومدروس وبما يضمن الربحية ويقلل من المخاطر.
على ان يرافق هذين البعدين أساس احصائي سنوي يدخل ضمن القياس السنوي لمتوسط دخل الافراد.
الامر الاخر الجدير بالاهتمام يكمن في زيادة دخل الشركات بمختلف انواعها وتأمين مناخ استثماري آمن تشريعيا واجرائيا، وقضائيا، وتمويليا، وخدماتيا.
- فالتشريعات يجب ان تضمن للمستثمر الشريك الاستقرار التشريعي على الاقل لمدة خمس سنوات متتالية دون أي تغيير في القوانين والأنظمة والإجراءات مع استقرار رسوم الخدمات العامة وعدم زيادتها، بل والسعي الى تخفيضها بالتزامن مع تحسن الأداء المالي الحكومي.
- والإجراءات يجب أن تختزل وان تقنن وان تُسرّع وتيرتها حتى لا تشكل عائقا استثماريا ملازما وان يكون هناك جهد حكومي حقيقي في زرع ثقافة الاهتمام والرعاية لرواد الاعمال والمستثمرين لدى كافة موظفي القطاع العام. وان يكون هناك تنافس حقيقي في خدمة العملاء بين مختلف مؤسسات القطاع العام وبإشراف مباشر من مجلس الوزراء.
- وعمليات التقاضي يجب ان تختزل بما يحقق سرعة الوصول الى الاحكام وتقليل الجهود المبذولة في تداول القضايا خصوصا التجارية منها. مع التركيز على جانب التحكيم كأداة قضائية مقبولة ومرضية من الطرفين لضمان سرعة انهاء الخصومة وايصال الحقوق الى أصحابها حتى لا تطول فترة التقاضي فيختل ميزان الامن الاستثماري.
- والتسهيلات التمويلية مع الفوائد ينبغي ان يعاد توجيهها بما يخدم الدورة الاستثمارية الامنة والمستقرة والمولدة للوظائف والمنتجات والعملة الصعبة.
- والخدمات المتعددة كالاتصالات والكهرباء والغاز والمياه والبنى التحتية والخدمات البلدية وغيرها لابد من ان تكون في مستوى القيمة المدفوعة من الرسوم في الجودة وفي خدمة العملاء. فلا يعقل ان تكثر الشكوى من خدمات مرتفعة الاسعار وان يكون البعد الزبائني لديها غائبا غيابا كليا. ان تغريدة واحدة صادرة من مستفيد ينتقد فيها سوء الخدمة المقدمه في مؤسسة خدمية عامه، ينبغي ان تعلن بشأنها حالة طوارئ عاجلة في تلك المؤسسة خوفا من العقوبات التي ستطالها من الاجهزة الرقابية الحكومية.
- كما لابد من توفير مظلة اجتماعية آمنة لكل الاسر والافراد ممن تقل مستويات دخولهم السنوية عن المستوى المحدد للدخل الامن.. مع العمل على تشجيعهم للانتقال من الوضع المادي الذي يشغلونه إلى وضع مادي أفضل منه.
وهذه المظلة الاجتماعية متوفرة في السلطنة في تقديري لكنها مشتتة وغير منظمة. فهناك الضمان الاجتماعي للأسر والافراد المعسرين وهناك الفرق الخيرية ولجان الزكاة المنتشرة. وهناك صندوق الامان الوظيفي. اضافة الى جهود الهيئة العمانية للأعمال الخيرية. فلو اضطلعت وزارة التنمية الاجتماعية بدورها الحقيقي وتولت تنظيم كل هذه الجهود لاستطعنا ان نوفر مظلة اجتماعية آمنة وفاعلة وتغطي كل المعسرين وذوي الدخل الضعيف حاليا ومستقبلا.