الصحوة – د.محمد بن حمد الشعيلي
عندما تولى السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الحكم في عمان عام 1970م، كان الجميع في عمان وخارجها يدرك الظروف الصعبة التي كانت تمر بها عمان، وخطورة الأوضاع التي كانت تسود فيها بسبب تأثيرات المرحلة الانتقالية والأحداث في ظفار، والتي خلفت حالة من عدم الاستقرار وإبطاء عجلة التنمية في البلاد، ولذلك كان حرص جلالته رحمه الله كبيرا بحشد التأييد لعمان سواء في الإطار الإقليمي والعربي وكذلك الدولي، والدعوة العلنية للوقوف مع السلطنة في ظل تلك الظروف.
ولأن المملكة العربية السعودية تعد من القوى المؤثرة في المنطقة، وكانت تشهد استقرارا كبيرا في أوضاعها، لذلك كانت في مقدمة الدول التي حرص جلالته على التواصل معها، وعندما أمر السلطان قابوس في مستهل عام 1971م بتشكيل ما يعرف بـ (وفد الصداقة العماني) بهدف زيارة الدول العربية وإطلاع قادتها على التغييرات في عمان، وحشد التأييد اللازم لانضمام عمان إلى جامعة الدول العربية، كانت أولى الدول التي زارها هذا الوفد في إطار جولته العربية التي استمرت أربعين يوما، هي المملكة العربية السعودية، إدراكا من جلالته لأهمية المملكة في الوقوف إلى جانب عمان في تحولاتها الجديدة، وعند وصول الوفد العماني إلى الرياض التقى بالملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، فنقلوا إليه تحيات جلالة السلطان قابوس، وشرحوا له رغبة جلالته الصادقة في إعادة عمان إلى محيطها العربي، وبأن التغييرات فيها يراد بها الانتقال بعمان إلى مرحلة جديدة لما فيها خير شعبها، ولما فيه صالح المنطقة، وبأن عمان حريصة على أن تكون مواقف السعودية ايجابية تجاه ذلك.
نجحت زيارة وفد الصداقة العماني ولقاءه بالملك فيصل في إرساء علاقات جديدة بين مسقط والرياض، وفي دعم السعودية للقيادة الجديدة في عمان ولمساعي انضمامها إلى جامعة الدول العربية، وفي تبادل السفراء بين مسقط والرياض، الأمر الذي مهد للزيارة التاريخية التي قام بها السلطان قابوس إلى الرياض في ديسمبر من عام 1971م، كأول دولة خليجية وعربية في مستهل زيارات جلالته للعواصم الخليجية والعربية، حظي فيها باستقبالا حارا من الملك فيصل بن عبدالعزيز، وهي الزيارة التي ترتب عليها تطور ملحوظا في العلاقات بين البلدين الشقيقين، والانتقال بهذه العلاقات إلى مرحلة جديدة من التعاون في مختلف المجالات.
ويلخص سيرجي بليخانوف صاحب كتاب (مصلح على العرش) هذه الزيارة بقوله: “رأى الملك فيصل الذي يتمتع بخبرة سياسية كبيرة ومهارات دبلوماسية وبصيرة نافذة في محدثه العماني الشاب، طرفا جديرا بالاحترام والتقدير …. ثم أخذت العلاقات العمانية تتعزز وتقوى عاما بعد عام“. لتكون هذه الزيارة التاريخية فاتحة الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، والتي تكررت مرارا طوال العقود الماضية.
وهو ما تحقق بالفعل، عندما أخذت العلاقات بين البلدين تشهد تصاعدا كبيرا في التطور، وظلت مبادئ الثقة والاحترام يغلف التواصل بين القيادتين الحكميتين، وفي مارس من عام 1990م شهدت العلاقات العمانية السعودية واحدة من أبرز محطاتها التاريخية، عندما تم في مدينة حفر الباطن السعودية وبحضور عاهلي البلدين الملك فهد بن عبدالعزيز والسلطان قابوس بن سعيد رحمهما الله مراسم توقيع اتفاقية الحدود بين الطرفين، والتي ضاعفت من حجم الاستقرار في العلاقات بين البلدين، ونقلت آفاق التعاون بينهما إلى مرحلة أكثر نموا وتطورا.
وعندما تولى حضرة جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير من عام 2020م، أكد في خطابه الأول على ثوابت السلطنة الخارجية في التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وعلى سياسة حسن الجوار وعلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات. كما أكد جلالته على أن عمان ستواصل مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المساهمة في دفع مسيرة التعاون بين دول المجلس والدفع بمنجزاته إلى الأمام، وتحقيق أماني شعوب المنطقة.
وفي هذا الإطار، وبرغم مرور أقل من سنتين على تولي جلالته الحكم في البلاد، إلا أن هذه الفترة القصيرة شهدت حراكا كبيرا في العلاقات بين السلطنة والمملكة، وسعيا واضحا من القيادتين في البلدين على تطوير مجالات هذه العلاقات والدفع بها نحو الأمام بشكل أكبر ومتسارع، وهو ما تجلى واضحا في الزيارات المتبادلة بين المسؤولين عن مختلف القطاعات في البلدين على مدار الأشهر الماضية، وفي الجهود التي قامت بها سفارة السلطنة في المملكة نحو تحقيق مزيد من التقارب والتعاون بين مسقط والرياض.
وتكمن أهمية زيارة جلالته ولقاءه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في كونها تأتي في مستهل الزيارات الخارجية الرسمية التي يقوم بها السلطان هيثم بن طارق رعاه الله منذ توليه حكم البلاد، وعليه فإن اختيار المملكة لتكون أولى جولات السلطان هيثم الخارجية يحمل رسالة واضحة ودلالة كبيرة على عمق هذه العلاقات، والحرص على نقلها إلى آفاق أخرى، وعلى الاحترام المتبادل بين القيادتين الحكيمتين، وهي زيارة من المؤكد أن تسفر عن تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتعزيز التعاون الاستراتيجي بينهما، مما سينعكس بالإيجاب لما فيه صالح الشعبين الشقيقين، كما من المتوقع أن تتجاوز نتائج هذه القمة لتشمل البعد الإقليمي، فالظروف التي تمر بها المنطقة تستدعي دائما الحوار بين مسقط والرياض وتتطلب التشاور بينهما والتنسيق في مواقفهما، وتستحق لقاء كبير بهذا الحجم.