الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
ترتكز رؤية عُمان 2040 على ثلاثة محاور رئيسية هي: “الإنسان والمجتمع”، و”الاقتصاد والتنمية”، و”الحوكمة والأداء المؤسسي”، والتي تتلاقى بشكل واضح ومتقاطع مع المحاور الأساسية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 والمتمثلة في “مجتمع حيوي”، و”اقتصاد مزدهر”، و”وطن طموح”، وهذا بلا شك يعكس التوجهات الاستراتيجية المشتركة، والممتدة بعمر الأجيال الحالية والاتجاهات المستقبلية لكلا البلدين، والتي يبدو أنها تشهد انطلاقة نحو المستقبل وفق مسار واضح ودقيق يلبي طموحات شعبي البلدين، وكيف لا يكون ذلك، ورؤيتي السلطنة والمملكة تحظيان باهتمام ورعاية عظيمة من قبل قيادتي البلدين في سبيل تحقيق الأهداف المرسومة لهما.
لقد عملت كلا الدولتين على إقرار وثيقة رؤيتيهما المستقبلية بمشاركة مجتمعية وطنية فاعلة، وتخطيط واضح وجلي الملامح، يقوم على توظيف كافة القدرات والإمكانات المتاحة لإنجاح الرؤية كما أُريد لها، وبما يُسهم في تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في رفع مستوى معيشة الفرد، بإستخدام رشيد للموارد المتوفرة، والأخذ في الحسبان أولوية وضرورة العمل على تحقيق النماء والرفاه المستدام، عبر الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة، دون إغفال التركيز على الهوية الوطنية وقيمها وأثرها في تحقيق غايات الرؤية المستقبلية، فضلاً عن توجيه الجهود وتركيزها سواءً نحو تحقيق الأهداف الرئيسية المنبثقة من المحاور الأساسية للرؤية، أو حتى الفرعية منها.
وإذ يُشكل التنويع الاقتصادي ركيزة أساسية من ركائز محور “الاقتصاد والتنمية” للسلطنة أو “اقتصاد مزدهر” للمملكة، فإنه يُعد بصدقٍ بمثابة بوصلة جيدة وملائمة للترويج والتسويق للفرص الاستثمارية، فذلك من شأنه الإسهام في ايجاد بيئات تنافسية تُبرز الفرص الحقيقية للاستثمار في ضوء الرؤية التي تم اعتمادها بكلا البلدين الشقيقين، كما توضح كافة المؤشرات المتعلقة بالأسواق الضرورية والمستهدفة في الوقت الحالي ومستقبلاً، وبما يعمل على تحويل ونقل تلك الأهداف والتطلعات إلى واقع ملموس بالعمل الجاد والمنظم ضمن منظومة متداخلة ومتكاملة لعمليات مترابطة ومتفاعلة، وبحيث تحقق النمو الاقتصادي الملائم لمتطلبات العصر.
وحيثُ تلعب العلاقات بين الدول على كافة الأصعدة دوراً رئيسياً لإنجاح الخطط الاستراتيجية، فإن لسلطنة عُمان علاقات عميقة ومتينة منذ سنوات بعيدة مع المملكة العربية السعودية، تتميز بالمرونة والحيوية والفاعلية في توطيد التعاون والثقة المتأصلة بين الطرفين، لاسيما في المجالات الاجتماعية والاقتصادية أو تلك المرتبطة بالإنسان وأهدافه ومصالحه، الأمر الذي يدفعهما بشكلِ مستمر إلى تعزيز بيئتيهما الداخلية والخارجية، وتكييفها وفقاً للمتغيرات والعوامل المحيطة بها، بالنظر للخيارات الممكنة والمتاحة لديهما ودراستها وتذليل التحديات المعاصرة التي تواجهها وصولاً إلى تحقيق الغايات المنشودة.
إن انسجام الإتجاهات الاستراتيجية بين السلطنة والمملكة ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، يؤكد غالباً التوافق في مقاصد وغايات التخطيط المستقبلي المشترك، وذلك يؤكد بشكل أساسي العلاقة التلازمية والصلة الوثيقة بين التطورات التي يشهدها واقع الحال في الدولتين، ومرامي التركيز على نقاط القوة التي تتميزان بها والعمل على تحسينها وتقويتها، ونقاط الضعف التي ينبغي تنميتها وتعزيزها، الأمر الذي من شأنه تحت سقف توقعات وآمال الأفراد أن يسهم في حل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل تتوائم مع حجم وأعداد مخرجات مؤسسات التعليم، وتشجيع الإقبال على العمل الخاص والحر من خلال رفد السوق المحلي بشركات صغيرة ومتوسطة، قائمة على منتجات وخدمات مبتكرة توائم توجهات التحول الرقمي والمعرفي واختصار الوقت والجهد، بما يؤدي الى تحفيز النمو وتعزيز التنافسية المنشودة للتحولات الجذرية المحلية والإقليمية وصولاً إلى العالمية.
لقد برز في مقدمة وثيقة الرؤية لكلا البلدين أهمية تنمية قدرات الأفراد واستعداداتهم لإكتساب الأفكار والمعارف اللازمة التي تؤهلهم لأداء أدوارهم بفعالية، خاصة فيما يتعلق بجانب التنويع الاقتصادي واستشراف آفاق المستقبل واحتياجاته المحتملة وغير المحتملة، والاستعداد لمواجهتها عبر الممكنات المتاحة أو تلك المتوقعة في المرحلة المقبلة، بتمكين الثروات البشرية الوطنية لاستيعاب كافة المتغيرات من حولهم ولما لأهميتها في استقطاب الموارد المحلية والخارجية، كما هي فرصة لجذب الشركات متعددة الجنسيات للولوج في استثمارات حقيقية بحق الانتفاع وبالتالي استقرار تدفقات الاستثمارات الأجنبية في البلدين الشقيقين، ضمن حزم من التسهيلات والحوافز والمزايا، لتحقيق أفضل النتائج بتبادل الخبرات المعرفية والتجارب العملية والتطبيقية.
وتؤكد الشواهد الواقعية لملامح الرؤية في السلطنة والمملكة، النظرة المستقبلية والشمولية الواعية لأهمية التنويع الاقتصادي وأبعاده على حياة الإنسان، والتي هي الأساس لما سيتم تحقيقه بمشيئة الله في المحاور الأساسية لرؤية البلدين والأهداف المنبثقة منها، في اللحاق بركب العالم بجعل هذه الرؤى موضع التنفيذ الموزون بميزان الجودة والعقلانية ومتابعة هذا التنفيذ وتقييم نتائجه بين الحين والآخر، والوفاء بمتطلبات المجتمع بصنع قرارات منطقية ورشيدة تعود بالنفع العام، وبالتالي تحقيق أكثر الفرص جاذبية.
وإننا نتطلع من خلال هذا الانسجام الذي تتميز به رؤية البلدين الشقيقين للسنوات القادمة، إلى توسيع رقعة التعاون المستدام بحيث تشمل جميع الجوانب الاقتصادية والاستثمارية الحيوية وبما يصب في مصلحة الطرفين العُماني والسعودي، والسير قدماً نحو تطوير الإجراءات والقوانين والأنظمة الضرورية لتحقيق تلك الرؤى والمقاصد بكافة مراحلها.