الصحوة – د.حمد بن ناصر السناوي
في الأسبوع الماضي أرسل لي أحد الأصدقاء خبر عن تصريح لنائب في البرلمان في إحدى الدول الشقيقة يطالب فيه “بترحيل جميع الوافدين الذين لديهم ملف في عيادات الطب النفسي”، انتابتني مشاعر الغضب والأسى الذي يمثل رجعة في تاريخ الحملات الصحية التي تناقش وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي وتسعى لتصحيح الأفكار المغلوطة عن المرضى النفسيين، وتزاحمت الأسئلة في رأسي، لماذا اختار هذا النائب المصابين بالمرض النفسي دون سواهم؟ و كيف يصنفون المرضى؟ هل سيرحل طبيب جراحة القلب المتميز في عمله إذا كان يعاني من الإرهاب الاجتماعي؟ وهل ستغادر الممرضة الوافدة التي تعمل في قسم العناية المركزة بعد أن أصابها الاكتئاب خلال رعايتها لمرضى الكوفيد، في ظل النقص الحاد التي تواجهه الكوادر الطبية في مختلف دول العالم بسبب جائحة كورونا؟ ماذا عن الأستاذ الجامعي الذي يعاني من مرض ثنائي القطب لكن حالته مستقرة مع العلاج؟ والمهندسة التي تعاني من الوسواس القهري الذي تمكنت بعد رحلة من العلاج أن تكمل دراستها و تتقن عملها؟ هل سنشاهد طبقية بين الأمراض المختلفة؟ وهل سيتم التمييز بين المرضى حسب حاجة الوطن لهم؟ هل ستقيم الدولة لجان لتصنيف “صلاحية” فئة معينة من المرضى النفسيين، وهل استنتج صناع القرار أن المريض النفسي خطرا على المجتمع لذا يجب “تطهير” الوطن منه؟
ماذا ستكون ردة فعل الوافد إذا أصيب بالمرض النفسي بعد هذا القرار؟ هل سيذهب للاستشارة ويخسر وظيفته أم أن هذا القرار سيخلق بيئة خصبه للمعالج الشعبي الذي لا يحتفظ بملفات لمرضاه؟ هل يتغاضى الطبيب النفسي عن أهم مبادئ الأخلاقيات الطبية التي تحرص على احترام خصوصيات المريض وسرية إلا في حالات محدودة ومتعارف عليها دوليا والتي لا تنطبق على جميع الأفراد المصابين بالمرض النفسي؟ هل وهل وهل.
أعترف بأنني قد أكون متحيزا للمصابين بالمرض النفسي بعد سنوات عملي في هذا التخصص والتي تجاوزت الستة والعشرين عاما قابلت خلالها أشخاص من مختلف فئات المجتمع منهم الطالب والطبيب والمهندسة والمعلم والأستاذ الجامعي وإمام المسجد و شيخ القبيلة والمزارع والموظف البسيط، وربة البيت، جميعهم خاضوا كفاحا مع المرض النفسي بداية من تقبل التشخيص و العلاج ومرورا بتعلم التعايش مع بعض الأعراض بعيدا عن جلد الذات أو الشعور بالذنب لأن المجتمع لا يزال ينظر إليهم مذنبين أو عاهات يجب التخلص منها.
لست ممن يقارن ما يحدث في وطننا العربي بالغرب فلكل مجتمع مبادئه المتميزة لكنني أجد نفسي أذكر مبادئ ديننا الإسلامي الذي يحث على التراحم ومناصرة الإنسان لأخيه الإنسان، ففي بريطانيا كان رئيس الكلية الملكية للأطباء النفسيين بإنجلترا عام ٢٠٠٣ يعاني من مرض الاكتئاب ولم يخجل من الحديث عن تجربته مع المرض في المؤتمرات العالمية للطب النفسي التي يحظرها المرضى و ذويهم إلى جانب الأطباء والأخصائيين النفسيين، ومن قبله عانى كل من رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل الذي قاد بلاده خلال الحرب العالمية الثانية و الأديب الروسي”تولستوي” من مرض الاكتئاب، كما عانى الرئيس الأميركي الأسبق “رونالد ريجان” و رئيسة الوزراء البريطانية السابقة “مارجريت تاتشر” من مرض الزهايمر، جميع هؤلاء لم يمنعهم المرض النفسي من المساهمة في بناء المجتمع والإبداع كل حسب مجاله، لم يفكر آحد في إقصائهم أو الحجر عليهم بسبب المرض النفسي .
ختاما، لنتذكر أن المرض النفسي مثل إبتلاء من الله عز وجل يصيب به من يشاء، فلنكن عونا للمرضى ولنتعاطف معهم بعيدا عن العنصرية.