الصحوة – علي بن محمد الحامدي
لا يفتأ العالم يهدأ عن صراع الفيلة كما يقول النفيسي تحرك ذلك الصراع وتوقده وتغذيه الرغبة في السيطرة على كرسي التحكم وإثبات القوة وجدارة النفوذ. لقد نظرت إلى صراع الفيلة اليوم وفيما ما مضى فوجدت أن الدوافع الأساسية لذلك الصراع تنقسم إلى:
– دوافع عسكرية بحته لإقرار مبدأ التحكم والسيطرة على الخصم وإثبات مدى القوة التي يتمتع بها المسيطر.
– دوافع اقتصادية بحته من أجل الحصول على الموارد الكافية لتغطية النفقات الهائلة لهذه القوة المسيطرة. فهي ترغب في إثبات وجودها وقوتها من خلال ما تمتع به من رقي وعمران ورفاهية ولو على حساب الشعوب الاخرى.
– دوافع سياسية بحته من أجل إبقاء الشعوب الضعيفة تحت ادارة وتسلط القوة المسيطرة.. فتنفذ اليها ثقافيا وعلميا واجتماعيا وقد تغير من لغة ذلك الشعب وهويته حتى يستمر ضعيفا تحت رحمة القوة المسيطرة.
وقد تكون الدوافع دينية بحته كما كانت عليه في السابق وان اختفت اليوم ظاهرا لكنها مخفية ضمن ضمن أجندة الدوافع الأخرى.
وقد تكون تلك الدوافع مختلطة ما بين عسكرية وسياسية وثقافية ودينية واقتصادية.
ما لفت انتباهي حقا هو الفترة التي استطاع العرب فيها أن يسيطروا على ما يقرب من ربع الكرة الأرضية إبان ما اصطلح عليه تأريخيا بالفتوحات الإسلامية وخصوصا خلال فترة حكم الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان.
لقد غطت الفتوحات الإسلامية في تلك الحقبة والتي لا تتجاوز 24 عاما فقط الشرق الأوسط كله وأجزاء من الشرق الأدنى ومن أفريقيا.
وقد كان الدافع الأساسي وراء تلك الفتوحات هو نشر الدين الإسلامي. لكن ما لفت انتباهي حقا وهي ظاهرة تستحق الدراسة والبحث والتقصي الأتي:
1.أن الانطلاقة الأولى لهذه القوة الدينية الصاعدة كان من المدينة المنورة، استطاعت خلال فترة لا تتجاوز بضع سنوات أن توحد جزيرة العرب كاملة تحت أمرة المدينة. وحينما نتحدث عن المنطقة الجغرافية لجزيرة العرب فأنها تشمل اليوم دول الخليج الست إضافة إلى اليمن.
ورغم ارتداد أغلب العرب عن الإسلام ورغبتهم الشديدة في السيطرة على المدينة إلا أن جيش أبي بكر استطاع أن يسحقهم جميعا في ظرف سنة ونيف وفي أكثر من موقعة وهو أمر محير حقا.
2.اطلق أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان لقادة جيوشهم الإسلامية العنان للتحرك إلى العراق لتحريرها من سيطرة الفرس وهي القوة الشرقية العظمى في ذلك الوقت. وكذلك التحرك نحو الشام لتحريرها من سيطرة الروم وهي القوة الغربية العظمى آنذاك. والغريب ان تلك الجيوش التي انطلقت من الجزيرة العربية الصحراوية البدوية استطاعت سحق جيوش الفرس والروم معا وفي وقت واحد تقريبا.. بل واستمرت الفتوحات في التوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتتوسع لتصل إلى تلك المساحة الجغرافية الهائلة من الكرة الارضية.
3.الغريب في الامر وبخلاف كل قوى الاستعمار والسيطرة على مر التاريخ لم نجد شعبا رضي ان يستبدل دينه ولغته وهويته الثقافية عن رغبة منه ورضا وفي فترة وجيزة جدا ولصالح المستعمر مثلما نجده مع الفتوحات الاسلامية التي استطاعت ان تمد من المساحة الجغرافية العربية والاسلاميه الى ما نعرفه اليوم. وليس هذا فقط.. فتلك الشعوب منذ تلك الفتوحات قبل اربعة عشر قرنا والى اليوم لا زالت متمسكة بهويتها الإسلامية ولا ترضى لها بديلا.
ان السبب الرئيس وراء تلك الانجازات الكبرى التي حققتها الفتوحات الإسلامية آنذاك في تقديري يرتكز على أمرين مهمين:
الامر الاول ان تلك الفتوحات الإسلامية لم تكن دوافعها للتحكم والسيطرة هي ذات الدوافع التي يتصارع عليها فيلة اليوم. فلم تكن الفتوحات لها شأن اقتصادي او سياسي او عسكري او ثقافي او حتى ديني بالمعنى الذي استغلته الفيلة في صراعها مع الشعوب المستعمرة. انما كان الدوافع الحقيقية وراء كل تلك الفتوحات هي دوافع اخلاقية بحته: عداله وحرية وتوزيع الثروات بشكل عادل.. وهي دوافع انسانيه بحته. فهدفها الاول كان هو سعادة الانسان فقط.. بغض النظر عن لونه وجنسه وديانته وثقافته..
الامر الثاني ان المحرك الرئيسي لتلك الدوافع الأخلاقية الانسانية حتى تكون شكلا حقيقيا وفاعلا على الارض وليس تنظيرا أخلاقيا كما نشاهده اليوم، هو الايمان الصافي النقي.. القائم على مصدر فكري ايماني اخلاقي تشريعي وحيد وهو القرآن.
ومصدر منهجي تربوي تجريبي استمر لاكثر من 23 عاما وهو ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
هذا الايمان الصافي النقي المتحرر من الانانية والجشع والطمع وحب السيطرة والتحكم هو المحرك الحقيقي والوقود الفاعل لتلك الاخلاقيات الراقية والعظيمة التي كان يمارسها المسلمون مع الشعوب المستعمرة. والتي جعلت من تلك الشعوب ان تختار عن طواعية وحب واحترام، ديانة المستعمر وثقافته وهويته وان تبقى عليها الى اليوم.
فهل يمكن للانسانية اليوم ان تستوعب هذا الدرس جيدا فتفيق القوى العالمية من سكر النفوذ والسيطرة لتقود العالم إلى الانسانية الحقة وليس إلى الدمار والخراب.. هل يمكن لها ان تعود إلى سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لتدرك عمق ما في سيرته من معان ودروس تنشدها الإنسانية الحائرة اليوم وفيه خلاصها مما هي فيه؟!.