الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
كفلت المادة ٣٥ من النظام الأساسي للدولة حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة و بكافة الوسائل الأخرى المتاحة، وذلك كله تحت سقف القانون ، كما كفلت المادة ٣٧ حرية الصحافة والطباعة والنشر شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى ما يثير الفتنة أو الكراهية بين الأفراد ، أو يسيء إلى الدولة أو يمس بكرامة الإنسان وحقوقه .
وهذه لعمري من أرقى المواد الدستورية التي تسعى الدول المتحضرة والديمقراطية إلى تحقيقها ، كما أنها من تطلعات القوى التحريرية والتي تقاتل من أجل تضمينها دستورها المستقبلي ، التي تجتمع عليها كل طوائف المجتمع .
والحق يقال ، إنّ العهد السعيد يشهد مساحة مقبولة ومعقولة جداً من حرية التعبير عن الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ، وعبر وسائل الإعلام الخاصة ، ربما لم تشهدها أي فترة من قبل ، وهذا شيء جيد ومطلوب ونتمناه بإلحاح ، ذلك أن تعدد الأراء، وتمازج الأفكار ، ومشاركة المواطنين بالرأي في الشأن العام له فوائد عظيمة لا تعد ولا تحصى ، يكفي أن نذكر منها ما يعزز الوحدة الوطنية ، ويشعر الأفراد بدورهم في بناء الوطن دون إقصاء أو تهميش .
ولكن مما يؤسف له حقاً إقدام البعض – وأكرر البعض- على إساءة استخدام واستعمال هذه المساحة الجيدة من الحرية المتاحة بشكل مخيف جداً ولمآرب شتى ، لم نعتد عليها على مرّ العصور والحقب ، والتربة العمانية الطيبة معروف أنها لا تنبت إلا طيباً ، وبالتالي فإنه مما لاشك فيه أن تتسرب إلينا كثير من الريبة في مآرب هؤلاء ووطنيتهم وانتمائهم ، بل وأظنهم مندسّين يبثون الفتنة بهدف تمزيق المجتمع ، وزعزعة الثقة بينه وبين قيادته .
وأخشى ما أخشاه أن تقدم الدولة ، ومن منطلق الحفاظ على السلم الاهلي والأمن الاجتماعي إلى اتخاذ إجراءات للحد من هذا الانفلات ، وضبط تلك الحريات بقيود قد تكون ضرورية لاستقامة الأمور ، ولكن قد يراه آخرون أنه تقييد للحريات .
إن مما يجب أن يعلمه الجميع ، أن حدود الحرية تقف عند أول عتبة من عتبات إزعاج الآخرين أو النّيل من معتقداتهم وثوابتهم. لقد شهدت الفترة الأخيرة تجرؤ البعض – بحجة التعبير عن الرأي – التطاول على الذات الإلهية ، في سابقة لم يعرفها الشعب العماني المسلم التمسك بدينه ومبادئه ، ولوحظ أيضاً التطاول على بعض المسلمات الإيمانية دون وازع ديني أو أخلاقي الأمر الذي دفع البعض الأخر للدفاع عن هذه المسلمات التي لا تقبل المساس والخوض فيها لأنها تتعلق بجوهر العقيدة . وشهدت الفترة الماضية أيضآ، الَّنيل من الوطن ومن الذات السلطانية ، وهذه خطوط حمراء ليس مقبولاً ولا مسموحاً لأحد الاقتراب منها مهما كانت الدوافع والمبررات ، ذلك أن رمز الدولة ووليّ أمرها له من القدسية والمكانة بما لا يمكن السماح بالمساس به ؛ لأنه هيبة الدولة وكرامتها وعزها ، وقُل من جوامع الخير فيها ما شئت ، فإنها لكذلك.
نعم نؤمن بالحوار والنقاش حول قضايا الوطن بشكل يكون موضوعياً وراقياً قكلنا للوطن والوطن يتسع للجميع.
وتمادى البعض في ممارسة هوايته وانحدر بالحوار إلى مستوى يتنافى مع عادات وتقاليد وأعراف المجتمع العماني، الذي عرف الرقي والتحضر في القول والعمل، ووصل هذا التمادي ذروته بتوجيه السب والذم والقدح في الأشخاص بصورة مقززة ، وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي الهمز واللمز ليطال كل صاحب رأي يخاف على الوطن وعلى أمنه واستقراره .
لذا فإنه بات علينا جميعاً أن نعيد توجيه البوصلة الوجهة الصحيحة حتى لا نضيع الدرب فنتوه في خضم تعقيدات الحياة وتشابكها ، ولنعلم أنّ هناك من يتربص بنا لينفث سمومه بيننا ، ذلك أن استقرار عمان ووحدتها شأن يؤلمه ويقض مضجعه ، ويسعى بكل ما أوتي من قوة أن يفتّ في عضد هذه الدولة الجبارة التي استعصت على كل خبيث معتدٍ حقير حقود ، يطلب شأناً ويرجو شاواً هو أبعد عنه من الثريا .
خلاثة القول.، ومن باب الحرص والمحافظة على المساحة المتاحة لنا من حرية الرأي والتعبير عنه ، فلعلّه من المناسب ترشيد استخدامها دون إفراط ولا تفريط ، وأرجو أن لا يفهم من قولي أنني انادي بتكميم الأفواه ، فمن يعرفني حق المعرفة يعلم أنني من المنادين بحرية الرأي والتعبير .
نعم للحوار الهادف ، والنقد البناء ، والاختلاف في الرأي بما يخدم مصلحة الوطن ، ولا وألف لا ، لخلق الفوضى والنيل من استقراره ومكتسباته ، فقد تم تحقيق كل ذلك بدماء العمانيين وجهدهم وعرقهم وإخلاصهم وتفانيهم ووحدتهم التي يضرب بها المثل ، تحت قيادة عملت ولازالت تعمل من أجل الوطن والمواطن .