الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
نشر أحدهم تغريدة تقول “غالبا لا يأتي المرضى إلى العيادة النفسية بل ضحاياهم ” و نشر آخر “الناس تروح تتعالج نفسيا من مشاكل كان سببها ناس كان لازم تروح تتعالج نفسيا “.
ورغم إختلاف الصياغة في العبارتين إلا أن المعنى يكاد يكون واحد ، و إن كنت اتسائل عن خلفية القائل في كلا الحالتين أجدني اتفق مع المقطع الأول من التغريدة الأولى ، ربما لا يأتي المرضى إلى العيادة النفسية لأنهم يعيشون حالة الإنكار ولا يعترفون بوجود مشكلة ، أو ربما لا يفهمون دور الطبيب والمعالج النفسي أو يشككون في جدوى العلاج ، أو لا يأتون خوفا من الفضيحة و وصمة العار التي تجعل كل من طلب الاستشارة النفسية في نظر الآخرين “مجنون ” أو “ما صاحي “.
وقد يأتي بالنيابة عنهم أحد أفراد الأسرة طالبا الاستشارة في كيفية التعامل مع المريض و تقديم الدعم والمساعدة له ، أو إقناعه بالحضور للاستشارة ، أما كلمة “ضحاياهم” فلا اتفق معها ، فالمريض النفسي قد يسبب الألم لمن حوله لكن الغالبية لا يخلف “ضحايا” ، قد نجد في بعض الحالات مثل الاكتئاب الحاد والإدمان أن المريض يقصر في رعاية أسرته أويسبب لهم القلق لخوفهم عليه، هذه حالات محدوده تحصل إذا ما رفض المريض النفسي العلاج ، غالبية المصابين بالمرض النفسي قادرين على ممارسة حياتهم الطبيعية مع توفر الدعم النفسي والعلاجي من الاسره والمختصين في مجال الصحة النفسيه.
أما التغريدة الأخرى والتي تلمح بان المريض النفسي هو “الضحية” لمريض نفسي آخر فهي أيضا غير صحيحة ولا تستند على أي أساس علمي ، فأسباب المرض النفسي متنوعه وغالبا ما تجتمع عوامل جينيه وإجتماعية و نفسية في زيادة احتمال الإصابة بالمرض النفسي .
قديماً كانت إحدى النظريات التي حاولت فهم أسباب الإصابة بمرض الفصام – و هو اكثر الأمراض العقلية شيوعا – تطرح فكرة “الام الفصامية ” و يقصد بها الام التي تصيب أطفالها بالحيرة لان تعاملها معهم متقلب بين الحب والكراهية في نفس الموقف فينشأ الطفل في حيرة من أمره و يفشل في تكوين علاقات مستقره مع نفسه ومن حوله ، هذه النظريه تم إبطالها وحذفها من كتب الطب النفسي الحديث لانها لا تستند على أي دليل علمي ناهيك عن كونها تسبب الشعور بالذنب للأمهات حيث تحصر سبب الفصام في سلوك الام بالتحديد.
ورغم اختلاف التفسيرات العلميه لأسباب المرض النفسي الا أن حصر السبب في مؤثرات إجتماعيه فقط أمرغير صحيح ، لو كان الامر كذلك لوجدنا افراد الاسرة جميعهم يعانون من نفس المرض النفسي كونهم نشؤوا في نفسه البيئة بينما الواقع أن يصاب شخص واحد فقط.
قد يعاني شاب من الإرهاب الاجتماعي مثلا و يفسر ذلك بأنه بسبب أسلوب والديه في التربيه بينما نجد باقي اخوته الذين تربوا في نفس الاسره لا يعانون من ذلك ، اذا لا يمكن حصر سبب الرهاب في الاسرة فقط ولكن توجد عوامل عديدة تساهم في ظهور الاعراض لدى شخص واحد بالتحديد ، كذلك الامر بالنسبة للاكتئاب ، فقدرة الفرد على تحمل ضغوطات الحياة بشتى أنواعها تختلف من شخص إلى آخر و قد يساهم الاستعداد الوراثي في زيادة إحتمال الإصابة بمرض الاكتئاب ، كما أن تراكم الإحباطات وفقدان الشخص ثقته بنفسه نفسه تجعله عرضه لاتخاذ قرارات غير سليمه تبقيه في دائرة الاكتئاب ، كما أن غياب الدعم النفسي من الأهل والأصدقاء وعدم الحصول على العلاج النفسي والدوائي أحيانا يبقي الفرد تحت غيمة الاكتئاب الذي يتحول مع الوقت إلى مرض مزمن يصعب علاجه او التعامل معه.
ختاما ، لنستمع الى صوت العقل والمنطق وما تشير اليه الدراسات العلميه بدلا من إعادت تدوير أفكارلأشخاص تنحصر معرفتهم بالصحة النفسيه في مجال محدد .