الصحوة – اشراف بنت الحمدي الدرعية
أمريكا وخلال فترات محددة عانت من أزمات نفطية، ومشاكل اقتصادية ترتبت على ذلك، ومن بينها أزمة 73 من القرن العشرين، عندما أوقفت الدول العربية المصدرة للبترول توقيف إمداداتها بالنفط للولايات المتحدة، مما نجم عنه انهيار في سوق الأوراق المالية، ومحاولة لجوء أمريكا إلى نظام الطاقة المتجددة، والاتجاه نحو وضع خطة لإنشاء مخزون أمريكي استراتيجي من النفط. تتالى الأزمة في 79 من القرن نفسه، جراء الثورة الإيرانية، فارتفعت أسعار النفط، وانخفضت الواردات النفطية للولايات المتحدة، واليوم تعاني أمريكا أيضا من أزمة نفطية جديدة، حيث انهارت أسعار النفط في أمريكا بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد عن 50% خلال هذا العام.
شهدت أسعار النفط ارتفاع ملفت، بعد اجتماع أعضاء منظمة (أوبك بلس OPEC+)، وانخفاض إنتاج النفط، رغم مطالبات من البيت الأبيض الأمريكي بزيادة الإنتاج النفطي لمواجهة تصاعد أسعار البنزين، حيث دعا مستشار البيت الأبيض “جاك سوليفان” في (الأربعاء الموافق الحادي عشر من شهر أغسطس) كبار منتجي النفط إلى تعزيز إنتاج النفط، إلا أن الدول المنتجة في اجتماعها 1 سبتمبر واصلت خطتها في خفض الإنتاج بمقدار 400ألف برميل يوميا، ليكون الإنتاج 5.4 مليون برميل يوميا.
لماذا؟ يعود السبب إلى تأثيرات جائحة كورونا على سوق النفط بشكل سلبيي، حيث انخفض الطلب على النفط، لأن الطلب عليه محكوم بالطلب العالمي، الذي يتأرجح حسب تطورات الجائحة، وأيضا تأثير هذه الجائحة على عمليات التنقيب. وصرح مترأسو الدول في اجتماع المنظمة، أن قرارهم هذا جاء بعد النظر لسوق النفط، لذلك سعوا إلى تحقيق التوازن في هذا السوق. وهذا من حقهم، فلو أن السوق النفطي لم يجد تنظيما يوازن بين المخزون والمصدّر لخسرت هذه الدول المنتجة.
وهنا مع هذه الأزمة لابد أن يسعى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لإثبات جدارته وقدراته الرئاسية، فيبذل واسع جهده لزيادة شعبيته بعد أن تراجعت، فحسب ما جاء في صحيفة التلغراف البريطانية أن شعبية الرئيس جو بايدن حصدت أدنى المستويات مقارنة بشعبية الرؤساء السابقين، حيث كانت نسبة غير الراضين عن أدائه الرئاسي أكثر من 50% حسب الإحصائية الواردة في الصحيفة، فلأول مرة منذ توليه الرئاسة، يتدخل جو بايدن في السوق العالمية للنفط، فلطالما كانت أمريكا تتدخل في كل شؤون العالم، وهنا أيضا حاول بايدن أن يرفع إصبع الاتهام على روسيا والسعودية حول احتكارهم لإنتاج النفط ورفض ضخ المزيد، فقد قال في قمة المجموعة العشرين في روما: “امتناع روسيا والسعودية والمنتجين الكبار الآخرين عن ضخ مزيد من النفط … ليس أمرا عادلا”، وفي محاولة لإجبار الدولة المنتجة بضخ المزيد، يلجأ بايدن إلى التوجه للاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من النفط، لكن ذلك لن يؤثر كثيرا في مسار سوق النفط، ويرى الخبراء أن أي تصرف غير مسؤول، قد يؤدي إلى استنزاف الاحتياطات الأمريكية من النفط. وفي يوم الثلاثاء (الثالث والعشرين من شهر نوفمبر) أمر بايدن بالإفراج عن 50 مليون برميل من مخزون أمريكا النفطي في سبيل الضغط على تجمع أوبك بلس، بالتنسيق مع الدول المستهلكة الأخرى، بما فيها الصين والهند واليابان وبريطانيا وكوريا الجنوبية.
أوبك بلس ترفض الرضوخ لهذه التهديدات، وتقف صامدة على قرارها، لأنها ترى أن الطلب قد يتراجع في ظل تفاشي جائحة (كوفيد 19)، وظهور متحورات جديدة ستؤثر على عملية الإنتاج، وقررت أن تكون الزيادة تدريجية شهريا بمعدل 400 ألف برميل حتى يعود الإنتاج إلى مستواه السابق قبل الجائحة.
المخزون النفطي لا تستخدمه أمريكا إلا في الحالات الطارئة كالأعاصير، لكن هذه المرة جاء الاستخدام لإبراز القوة، فبايدن أراد أن يرسل رسالة إلى كبار منتجين النفط أنهم ليسوا المتحكمين الوحيدين في سوق النفط، فأدت هذه الحركة منه إلى انخفاض أسعار النفط، والملفت أنه حصل تعاون في اللجوء للمخزون بين أمريكا والصين، متناسين الخلافات التي بينهم. على الرغم من ذلك إلا أن الوضع ما زال غير مستقرا، ولم ترضخ الدول المستهدفة للضغط. فقد يكون هذا تهورا من أمريكا، وقد لا تصل إلى نتيجة في الأيام المقبلة، وإنما زيادة الوضع سوءًا، وسيكون هذا تحديا كبيرا يشهده بايدن في رئاسته الجديدة.