الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
لاشك أن ورقة الحكم القضائي هي النتيجة المنتظرة بعد كل المقدمات التي سبق وأن طبقاها أطراف النزاع من إجراءات والتي بدأت مع تقيد الدعوى في أمانة سجل المحكمة وإعلانها، ثم تحديد جلسة لها وفتح باب الترافع فيها وغيرها من الاجراءات المتتالية التي تشكل سلسلة إجراءات التقاضي، وبغض النظر من نوع الحكم القضائي ومصدره ودرجتها وقوتها، تداول الوسط القانوني مقولة “الحكم عنوان الحقيقة” وبها إشارة إلى أن خلاصة عملية التقاضي وحقيقة وقائع القضية تتمثل في صحيح الحكم، إلا أن هذه المقولة في جوهرها لا تعني أن الحكم يطابق الحقيقة تمامًا، بل أنها تشكل جزءً من الحقيقة (على اعتبار دورها في كشف الحقيقة) إلا أنها ليست بالضرورة الحقيقة الكاملة.
لعل أول ما يجدر الاستعانة به من حجج، هو موضوع قصة الرداء الأسود الذي يرتديه وكلاء الخصوم والمشتغلين بالقانون في أرض المحكمة، والتي تتلخص في أن القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي بالرغم من أنه يعلم مجريات الوقائع، بل يحكم بما أمامه من أوراق وطلبات وأدلة، فيجتهد ويتمحص ويدقق حتى يصل إلى الحقيقة بمساعدة معاونيه؛ ولأنه إنسان يخطئ أوجدت الأنظمة القضائية وسائل يستطيع من خلاله الأفراد أن يطعنوا في الحكم بل وأن تراقب المحكمة الأعلى مدى صحة الاجراءات التي اتخذتها المحكمة لضمان سير مرفق القضاء بما يفترض وتأكيدها على هدف إرساء أسس العدالة والحكم بالقانون.
ونحن في إطار مناقشة موضوع كهذا، لا يفوتني التنويه والإشارة على أن غرض المقالة ليس التشكيك في الأحكام ونزاهتها كما قد تستنج بعض الأهواء ذلك، فالسلطة القضائية بصفة عامة جهاز مهم لا يمكننا أن نعيش دونه وللقاضي مكانة وفضيلة نحترمها، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر)، ومما لاشك فيه بأن جهود هذا المرفق مقدر ومشكور؛ إلا أن تأتي هذه المقالة لتصويب فكرة دارجة تضيع بتناولها فرص عديدة وتعمي بتداولها مبادئ هامة.
فالأحكام القضائية أنواع تحوز بعضها قوة الأمر المقضي وحجيته كالأحكام النهائية والباته، وتعطي الاخر المحكوم عليه فرصة للنظر في موضوعه مرة أخرى كحال الأحكام الإبتدائية، بل وإلى طرق الطعن المختلفة العادية والإستثنائية وتلك التي هدفها الإلتماس وإعادة النظر وغيرها من الاجراءات التي تبين صحة الحكم أو بطلانه كخلو ورقة الحكم من أسباب وحيثيات، أو مداولتها من قضاة لم يسمعوا مرافعة أطراف النزاع، ففي المقابل كل ذلك من باب الحرص على إرساء مفهوم الوعي الحقيقي الذي يساعد العدالة في تحقيق رسالتها وليس التظليل، فهناك فارق بين المتمسك بالغلط في القانون وبين المتجاهل للقانون.
ومن جانب آخر تعزز هذه المقالة فكرة الأمن القانوني التي تهتم بإستقرار المراكز القانونية، وإشاعة الأمن والنظام وطمأنينة الانسان، فمن المهم تعضيد فكرة الحق من خلال تسليح أهل الحق بالمعرفة والأدوات والاليات والاجراءات والمدد ليتمكنوا من مجابهة الفساد واقتضاء الحق بالقانون، وفي المقابل معرفة الحدود التي يتعين بها الوقوف وعدم التجاوز.