الصحوة – سليمة بنت عبدالله المشرفية
اقترب شهر الخير ،شهرٌ يجدد فيه المؤمن إيمانه ويعزّز صلته بربه ومولاه ويحاسب فيه نفسه على تقصيره وخطاياه، والشهر أيام معدودة وأوقات محسوبة إذا ما استقبلناها تجاذبنا خيوطها بعضها على بعض حتى انتهت دون أن نشعر بوجودها وجاء غيرها بما جاء وهكذا تمضي الأيام وتتوالى السنوات وتنقضي الأعمار وتُطوى الأسفار!
وقد جعل الله تعالى شهر الصيام فرصة لا تقدّر بثمن لطي الزلات ومضاعفة الحسنات وبلوغ الدرجات الرفيعة في التقوى والإيمان والترقي في سلّم الروحانيات وهي حاجات نفسية وروحية يحتاجها الإنسان في دنياه كحاجته للماء والهواء ولو قلنا أكثر من ذلك لما بالغنا ، وإنسان اليوم قد أنهكته الماديات ومزقت نفسه المذاهب والأهواء !
وللصيام فوائد صحية فضلا عن فوائد روحانية ؛ فعلماء التغذية كثيرا ما يحثون على الصيام لمقاومة الكثير من الأمراض والعوارض الصحية التي تنغّص على الإنسان معيشته وتقلق راحته ، والصيام يعزز مناعة الإنسان بصفة عامة وإن كانت صحته على ما يرام “وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ”
ومع ذلك فإن إنسان اليوم يأبى إلا أن يُلبس المعنويات الراقية بلباس الماديات المتواضع، وإن كان ذلك لا يتعارض كون الإنسان روحا وجسدا على حد سواء ، ولكن أن تطغى الماديات هذا الطغيان الذي نلمسه في واقعنا فذلك أمر يخل بالميزان ؛فإن الإنسان بهذا الفعل يخسر فرصة مهيأة للتعافي الجسدي والروحي بل ويعرّض نفسه إلى انتكاسة مناعية خطيرة !
ما إن يقترب شهر الصيام حتى يزدحم الناس في الأسواق والمحلّات التجارية ازدحاما يجعل الإنسان يعتقد أن هؤلاء المزدحمين لم يذوقوا طعم الأكل والشرب مدة طويلة ،أو أن الأكل والشرب محصورا في هذه الأيام المباركات ؛فيأتي رمضان ويذهب دون أن يستفيد منه جسد المسلم إذ أنه يعوّض كل ما يخسره وأكثر أثناء الصيام في الوقت بين الفطور والسحور، فضلا عن كون هذا التعويض في الغالب من مأكولات تضر أكثر مما تنفع، وتفوز تلك الدهون الثلاثية التي هي أصلٌ في الأمراض الخطيرة في معركة البقاء ، ويخسر الإنسان!!