الصحوة – ظافر بن عبدالله بن أحمد الحارثي
يعد الخطأ هو أساس نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الإدارة الذي عادةً ما يبحث عنه عندما نكون بصدد عمل غير مشروع من جانبها أو واقعة أضرت بحق فرد أو بحق مركزه القانوني، ولكن نظرا للتقدم التقني والثورة المعلوماتية التي نشهدها يومًا بعد يوم وكذلك عطفًا على توسع أنشطة الدولة ودورها، لم يعد ذلك الأساس هو وحده يكفي لقيام نظام المسؤولية، لاسيما إذ كنا بصدد عمل مشروع ولكن في المقابل بسبب احتواءه على قدر كبير من المخاطر تسبب بضرر للأفراد، بل وقد يترتب عن عمل الإدارة المشروع ضررًا بالرغم خلوها من خطوره ولكنه يتجاوز الأعباء العامة؛ لذا من هذا المنطلق اعتمد الفقه والقضاء الاداري مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها المشروعة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الحماية اللازمة للأفراد المضرورين.
لاشك أن بسبب عدم وجود نص تشريعي خاص يستند عليه هذا المبدأ، يثار سؤال حول الأساس القانوني لمسؤولية الدولة عن أعمال الإدارة المشروعة؟، إلا أن من خلال القراءات وأحكام القضاء نستنتج بأن اعتبارات العدالة هي الأساس التي قامت عليها المسؤولية لاسيما وأن من خلال التطبيقات العملية نلاحظ قصور فكرة الخطأ للتعويض، كما أن بسبب عمل الادارة المشروعة نلاحظ قل ما توازن المصالح الشخصية بالمصالحة العامة التي تغلب، مما يؤدي ذلك إلا ضياع الحقوق وعدم وجود طريق للمحاسبة.
إن الفقه والقضاء الإدارية في عُمان قد تأثر قرنائه بالتحديد مصر وفرنسا على اعتبار حداثته، وبالرجوع لفكرة مسؤولية الدولة عن عمل الادارة المشروع وماهية الاعتبارات التي قامت بسببها نلاحظ بأن هناك نظريتان، تتمثل الأولى بفكرة المخاطر التي بسببها تسأل الدولة عن عملها الاستثنائي المشروع الذي قد تسبب بضرر، أنا النظرية الثانية فتتمثل بفكرة المساواة أمام الأعباء العامة والتي تعد من أهم المبادئ الدستورية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدول، فضلًا عن أنه يعد من أهم تطبيقات العدالة الاجتماعية التي تنظم العلاقة ما بين الدولة والأفراد والمتأثرة بقاعدة الغنم بالغرم؛ وبالرغم من الاختلافات الفقهية التي طالت حول مدى اعتماد نظرية وحدة لقيام ذلك المبدأ، بعد الدراسات رجح اعتماد النظريتان معا وسميا بالنظرية المزدوجة.
وعلى ذلك فإن الدولة لا تسأل فقط في حل إتيان الإدارة بعمل غير مشروع، بل أنها تسأل عن عملها المشروع متى ما تسببت من خلالها بضرر جسيمًا وخاصًا للأفراد، وذلك تحقيقا لاعتبارات العادلة التي كنا تولي اهتماما راسخًا بالمصلحة العامة، فإنها في المقابل لا تهضم حق المصلحة الخاصة بل تأخذها بعين الاعتبار، ولاشك بالرجوع إلى أحكام محكمة القضاء الاداري يتبين لنا من خلال التطبيقات العملية ذلك بشكل واضح لا لبس فيه.
في مقالة سابقة عبر صحيفة الصحوة تحدثت عن مسؤولية الدولة عن أعمال إداراتها الغير المشروع، واستكمالًا واستتباعا لها سلطت الضوء في هذه المقالة عن نقيض تلك الفكرة والتي أجبت من خلالها أبرز الاستفسارات التي قد ترد حول هذا الموضوع، ومع ذلك للاستزادة وبغرض ربما الدراسات أوصي الرجوع للكتب والدراسات ذات العلاقة والمعنية بقانون الدولة على وجه التحديد، إذ أن في هذه القطعة المحدودة اكتفيت فقط بإيصال جوهر الفكرة وأساسها، نشأتها وسببها، والأهمية التي تنطوي على فهمها ومعرفتها، وذلك كنوع من أنواع الاثراء والتمكين.