الصحوة – مريم الشعيلية
تعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم المنظمة والعابرة للحدود التي تنخر كيان الدول وتزيل وجودها وتخرب مؤسساتها، لذلك نالت هذه الجريمة اهتمام واسع من قبل التشريعات العالمية بشكل عام والتشريع العماني بشكل خاص، حيث ينظمها في قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 30/2016.
تعتبر جريمة غسل الأموال جريمة تبعية ، يفترض لارتكابها ارتكاب جريمة أصلية سابقة عليها، بحيث ينتج عن الجريمة الأصلية عوائد مالية والتي تكون محلا لجريمة غسل الأموال، وعرفها القانون على أنها:” كل فعل يشكل جريمة وفقا للقانون في سلطنة عمان، وكل فعل يرتكب خارج سلطنة عمان ويعد جريمة وفقا لقانون الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة والقانون العماني”، وأكدت المحكمة العليا في الطعن رقم (2/2019م)، بأن الجريمة الأصلية ركنا جوهريا لجناية غسل الأموال والتي يشترط أن يتحصل منها العوائد المالية الغير مشروعة التي تكون محلا لجريمة غسل الأموال. وتعتبر جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، ويترتب على ذلك، عدم وجود ما يمنع من الحكم على المتهم في الجريمة الأصلية من الحكم عليه عن جريمة غسل الأموال الناتجة عنها، ولا يستوجب إدانةالجريمة الأصلية لإثبات أن الأموال محل جريمة غسل الأموال هي عائدات مالية متحصلة من جريمة، وهذا ما نصت عليه المادة (7) من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفقا لما تم تناوله مسبقا، نجد أن المشرع العماني نظم محل جريمة غسل الأموال ليشمل كافة العوائد المالية الناتجة عن جريمة أصلية أيا كان نوعها جناية أو جنحة أو مخالفة، وبالتالي يلاحظ أن المشرع قد توسع في محل الجريمة فلم يقتصر على جرائم معينة لتكون العوائد المالية الناتجة عنها محلا لجريمة غسل الأموال وأكد على ذلك ما تضمنته المادة الأولى من القانون سالف الذكر تعريفا للعوائد المالية على أنها: ” الأموال المتحصل عليها من جريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويشمل ذلك الأرباح والامتيازات والفوائد الاقتصادية وأي أموال مماثلة، محولة كليا أو جزئيا إلى أموال أخرى.“، وتضمنت اللائحة التنفيذية رقم74/2004 لقانون غسل الأموال الأقدم بعض الأمثلة للجريمة الأصلية مثل: التعامل غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والخطف والأعمال الإرهابية والقرصنة والإتجار غير المشروع في الأسلحة والذخائر وغيرها من الجرائم بدون حصر، وذلك من أجل سد باب التحايل على القانون ولخطورة هذه الجريمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
حصرت المادة الثالثة من اتفاقية فيينا الجرائم التي تتحصل منها عوائد مالية غير مشروعة والتي تكون محلا لجريمة غسل الأموال في الجرائم المتعلقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذلك القانون النموذجي الصادر عن الأمم المتحدة عام 1995م حصر الجرائم التي تصلح أن تكون محلا لجريمة غسل الأموال في الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أخيرا، وفق المشرع العماني عندما توسع في نطاق محل جريمة غسل الأموال ليشمل كافة الجرائم المتحصل منها عوائد مالية غير مشروعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة والتي تم النص عليها في قوانين الدولة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تكون السلطنة طرفا فيها، وذلك لتوفير الحماية اللازمة للمجتمع واقتصاد الدولة من الآثار الناتجة عن جريمة غسل الأموال.
مريم سعيد مسعد الشعيلية- باحثة ماجستير في القانون الجزائي-جامعة السلطان قابوس كلية الحقوق