الصحوة – ياسر بن راشد الكلباني
مرت جائحة كورونا (كوفيد-19) بجوانبها الإيجابية والسلبية، ورغم انحسار الجائحة، إلا أن تأثيراتها وانعكاساتها لا تزال ماثلة ومستمرة. كما يقول المثل، ليس هناك خير مطلق أو شر مطلق. وكذلك يُقال إن مع كل تحدي تولد فرصة، وقد شهدت الجائحة ظهور العديد من المبادرات والاختراعات والأفكار التي تهدف إلى تسهيل حياة الناس والأعمال والدول، بعض هذه الوسائل كانت موجودة قبل الجائحة ولكن لم تكن مستخدمة بشكل واسع، وقد تم تفعيلها و تطويرها بشكل أسرع خلال الجائحة، وتسارع التطوير و التفعيل لبعض المجالات و القطاعات أكثر من غيرها كالقطاع الصحي و الخدمات المرتبطة به باعتبار الجائحة هي في الأساس تهديد صحي للسكان و الكوكب الأرضي، و أيضا القطاع التقني كممكن لباقي القطاعات و الخدمات.
في هذا المقال سنشير لبعض المكتسبات و الإنجازات أو الإبتكارات التي تم تفعليها و استخدامها خلال فترة الجائحة في عدة مجالات على المستويات الفردية و المؤسسية و أيضا على المستويات المحلية و الإقليمية و الدولية، و التي من الممكن الإستمرار من الإستفادة منها بعد عودة الأوضاع إلى الوضع الطبيعي، و أيضا الإستفادة من هذه الوسائل في حالة حدوث أية ظروف أو طواريء ، و أيضا من الممكن تطويرها بشكل أفضل و تلافي أوجه القصور و زيادة التحكم و السيطرة عليها، و لربما كثير من الجهات أستفادت من هذه المبادرات و لديها خطط جاهزة للتفعيل في حالة الأزمات.
الثقافة الصحية:
تم نشر الوعي الصحي، و النظافة العامة في تلك الفترة بشكل كبير وذلك لتخفيف انتشار عدوى كورونا، من خلال غسل اليدين و استخدام المعقمات في البيوت و الأماكن العامة، و تخفيف الإختلاط بالمرضى، و هذه الممارسات الصحية تخفف نقل جميع الأمراض، وهي في الحقيقية متوافقة مع التعاليم الإسلامية و الهدي النبوي الشريف، مثل الحث على غسل الأيدي و النظافة الشخصية و تنظيف البيوت و المباني، وكذلك عدم الإختلاط بالمصابين، و أيضا عدم اختلاط المصاب بالأصحاء، وكذلك عدم إلقاء النفس إلى المخاطر و التهلكة.
تلاحظ بعد مرور أزمة كورونا عدم الإهتمام بهذه الأمور الخاصة بالنظافة الشخصية و النظافة العامة ، و التي من المفترض أن تكون جزء من ثقافة المجتمع و الفرد، في كل الأحوال و الأوقات و ليس فقط في حالة انتشار أمراض معينة، لأنه الإلتزام بالممارسات الصحية و النظافة يساعد على تجنب انتقال كثير من الأمراض و ليس فقط كورونا وكما يقال الوقاية خير من العلاج، وضعف الإهتمام بهذه الأمور بعد كورونا ليس فقط من قبل الأفراد و إنما أيضا تلاحظ ذلك من قبل المؤسسات الرسمية و العامة و الخاصة، حيث انخفضت التوعية بشكل كبير، و أيضا عدم توفير و سائل النظافة و المعمقات و الأمور الأخرى التي تساعد على النظافة العامة.
لذلك من الحكمة الإستمرار في زيادة الوعي للنظافة الشخصية و العامة و توفير الوسائل التي تساعد المجتمع و الأفراد على ذلك، لأنه يجنب المجتمع الكثير من الأمور غير المرغوبة و كذلك يوفر الكثير من الجهد و الوقت و الأموال التي قد تبذل و تنفق لاحقا لمعالجة الأمراض و الأشياء المتعلقة بها.
القطاع الصحي:
مر القطاع الصحي، و مؤسسات القطاع الصحي و المنتسبين لهذا القطاع بأكبر التحديات خلال ذروة الجائحة، و بذل المنتسبون لهذا القطاع الغالي و النفيس لمساعدة الناس لتخطي تلك الفترة الحرجة، لدرجة أنه انهارت بعض الأنظمة الصحية في بعض الدول خلال فترة ذروة الجائحة.
لذلك يتطلب الفترة الحالية و ضع خطة جاهزة للتنفيذ في أي و قت في حال تطلب الأمر لكل أنواع التحديات التي قد تقع كإنتشار الأمراض و الكوارث الأخرى، كما ينبغي تحديد نقاط المستشفيات الميدانية والمتنقلة،و كذلك تأهيل الكادر الطبي، و الوظائف المساندة للتعامل بالطريقة المثلى مع هذه الإحداث التي قد تقع سواء على النطاق محلي أو إقليمي أو دولي أو ربما تقع في منطقة محددة من الدولة.
ومثل هذه الخطط يتطلب أن تكون واضحة و معروفة من كافة أفراد القطاع الصحي و الجهات الأخرى ذات العلاقة، ولربما جميع أفراد المجتمع لبعض الأمور الأساسية حتى يسهل التنفيذ و التطبيق.
القطاع اللوجستي:
على الرغم من جائحة كورونا بدأت كأزمة صحية إلا إن آثارها امتدت إلى القطاعات الأخرى ومن أهم هذه القطاع القطاع الإقتصادي و التجاري و هنا نتحدث تحديدا على سلاسل التوريد و الإنتاج، حيث أثرت أزمة كورونا على قطاع الإستيرد و التصدير، وهذا الـتأثير من جهتين: من الجهة الأولى تهافت الناس على شراء بعض السلع بسبب الوضع العام و الخوف من عدم توافرها، و من جهة أخرى كون هذه السلع يتم استيرادها فكان هناك نقص حاد في وصول هذه السلع بسبب الأزمة و نتج عن ذلك شح تلك المواد و السلع و أيضا الزيادة المطردة في الإسعار.
عليه و جب التنبه لهذا الموضوع و ووضع الخطط المناسبة لتفادي النتائج العكسية لهذه الأزمات على القطاع اللوجستي، و سلاسل التوريد من المصنع و حتى الوصول إلى المستهلك النهائي، أو على أقل تقدير تقليل آثارها من خلال التوسع في المخازن اللازمة و أيجاد البدائل و أيضا الإكتفاء الذاتي أو التصنيع الداخلي خصوصا المواد الضرورية و الأساسية على الأقل.
و هنا لا ينظر فقط إلى موضوع تكلفة التصنيع و الأستيراد فقط و لكن ينظر إلى العوامل الأخرى كالعوامل السياسية و الأزمات الأخرى، فقد يكون الإستيراد في بعض الأحيان أقل كلفة من الإنتاج المحلي لكن واقع الحال يفرض توفر الإنتاج المحلي لتفادي أزمات الإستيراد في بعض الحالات.
القطاع التقني:
تأثر القطاع التقني سلبا حاله كحال باقي القطاعات خلال الأزمة من حيث في بعض المجالات مثل إنتاج و بيع الأجهزة الألكترونية، و لكن من ناحية أخرى تأثر ايجابا و بشكل كبير كون هذه القطاع هو الممكن لباقي القطاعات خلال الأزمة، حيث ظهرت كثير من الحلول الرقمية و التطبيقات لتسهيل التواصل و انجاز الأعمال في جميع المجالات التعليمية و الصحية و التجارية و المصارف و غيرها و آلية العمل عن بعد لكثير من المؤسسات.
عليه فأنه وجب المحافظة على المكتسبات في هذا القطاع، و تطويرها بما يسهل انجاز الأعمال في الأوقات الإعتيادية ، ,ايضا تفعيل هذه الأنظمة في حال وجود أي نوع من التحديات أو الأزمات بشكل سلس و سريع من دون تأثر للعمليات و الأعمال.
قطاع الطيران:
تتطلب شركات ومؤسسات النقل الوطنية، بما في ذلك شركات الطيران، وضع خطط طوارئ للتصدي للأزمات وتقليل تأثيرها، وذلك عن طريق احتجاز مبالغ احتياطية لتغطية الانخفاض في الإيرادات خلال فترات الأزمات. يتم توزيع هذه الخسائر على فترات زمنية أطول وعدم تركيزها في فترة الأزمة نفسها، وذلك وفقاً للمعايير المحاسبية المعتمدة. كما يجب أن تخطط تلك الشركات لتنويع مصادر الإيرادات الخاصة بها، لتقليل الاعتماد الكامل على النقل الجوي وتحقيق استقرار أكبر في الأوقات الصعبة.
القطاع التعليمي:
خلال فترة الجائحة، شهدت معظم المؤسسات التعليمية تحولاً نحو نموذج التعليم عن بُعد، حيث تم استخدام المنصات التقنية والرقمية لتمكين التواصل بين جميع المشاركين في العملية التعليمية. واجهت هذه التحولات تحديات كبيرة في مختلف المجالات، بما في ذلك حداثة التجربة وتوافر الاتصال بالإنترنت في بعض المناطق وزيادة الضغط على شبكات الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، وجد بعض الطلاب صعوبة في الحصول على الأجهزة اللازمة للوصول إلى هذه المنصات.
كما أن هناك تحديات أخرى مثل آليات التقييم وغيرها من العوامل. لذا، يجب الآن التركيز على معالجة هذه التحديات وتطوير المنصات التعليمية التي تم استثمار جهود وموارد كبيرة في إنشائها. كما ينبغي تعزيز التوعية ونشر ثقافة التعليم عن بُعد، بحيث يتم تفعيل نظام التعليم عن بُعد بشكل سلس ومنهجي، مع ضمان عدم تأثير سلبي على جودة العملية التعليمية.
قطاع الخدمات الحكومية:
تم تحقيق تقدم كبير في مجال التحول الرقمي وتقديم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت. ومن الضروري الآن استكمال نظام الخدمات الإلكترونية بشكل يضمن كفاءة وسلاسة في الأداء دون الحاجة إلى تواجد المستفيد شخصيا. ، كما ينبغي تسريع إنجاز الخدمات، و من ناحية أخرى إيجاد آلية لعمل الموظفين عن بعد في حال تطلب ذلك، و وضع خطة قابلة للتطبيق في أي لحظة.
قطاع السلع الخدمات الإستهلاكية:
ضمان توافر الخدمات الاستهلاكية الأساسية مثل الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت في جميع الأوقات يعد أمراً حيوياً، ويتطلب وضع خطط لضمان استمراريتها خاصة في حالات الطوارئ. يجب أخذ الاحتياطات المناسبة مثل ربط التزويد بأكثر من محطة، حيث يتم التزويد من المحطة البديلة في حالة تعطل إحدى المحطات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي توزيع المحطات بشكل متوازن في مختلف المناطق والمحافظات لضمان التغطية الشاملة وتقليل تأثير انقطاع الخدمات في حالات الطوارئ.
خاتمة:
بالإضافة إلى المجالات المذكورة أعلاه، هناك مجالات أخرى مرتبطة يجب الانتباه إليها وضمان جاهزيتها الظروف، ,يمكن أيضا إلزام وحث الجهات المسؤولة سواء كانت حكومية أو خاصة، وضع خطط بديلة لضمان استمرارية الخدمات في جميع الأوقات؛ إذ ترتبط هذه المجالات ببعضها البعض. كما يُعتبر التعاون والتكامل بين الجهات ذات الصلة أمرًا بالغ الأهمية، سواء في توفير الخدمات المطلوبة أثناء الأزمات أو في الظروف العادي.