الصحوة – كشفت دراسة بحثية حديثة بعنوان “ملاط الصاروج: من مادة بناء تقليدية إلى البوزولان الهندسي – دراسة الخواص الميكانيكية والحرارية”، والتي أجراها فريق بحثي بقيادة الدكتور محمد صدّيق مداح، أستاذ مشارك بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بكلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس بأن المادة الخام من “التربة الطينية” صالحة لتحويلها لمادة بناء عصرية “بوزولانية” وفق القواعد الهندسية الحديثة، وأثبتت الدراسة البحثية أنه يمكن تحويل الكثير من المواد الخام المتوفرة بكثرة في سلطنة عُمان إلى مواد أسمنتية تعوض -ولو جزئيا- المواد المستوردة.
وأثبتت الدراسة كذلك أن المادة البوزولانية المنتجة محليا من الطين تتمتع بخصائص كيميائية، وفيزيائية، وميكانيكية وديمومة عالية تضاهي-وقد تتفوق على مثيلاتها -من بعض المواد المصنعة والمستوردة خارجيا، عوضا عن أن الكثير من المواد الإسمنتية والبوزلانية المستخدمة في صناعة الخرسانة والمونة في سلطنة عُمان هي مواد مستوردة.
منهجية الدراسة
انطلق المشروع على فكرة استخدام الطين العماني لخصائصه المتعددة لبناء الصروح والقلاع والحصون والأفلاج وغيرها من قبل الأجيال الرائدة من العُمانيين قديما، إلا أن الصاروج المصنّع بالطريقة التقليدية عبر الطين، قد أظهر عيوبا عديدة في تحمل الأثقال الهندسية، والديمومة أثناء تعرضه للعوامل المناخية والطبيعية، وانطلاقا من هذه المشاهدات وبناء على التجارب الموسعة التي أجريت على الطين التقليدي، نضجت فكرة تصنيع ما يسمى تقليديا في سلطنة عُمان “الصاروج” وعلميا “البوزولان”.
وحول المشروع، قال الباحث الرئيس الدكتور محمد صدَيق مداح: قمنا باستخدام نفس التربة التي يصنع منها الصاروج التقليدي، وعملنا فحصا شاملا للخصائص الفيزيائية، والكيميائية، والحرارية للمادة الخام (التربة)، وخلال هذه المرحلة تم تقييم ملاءمة المادة الخام (التربة) للاستعمال كمادة بوزولانية أو إسمنتية.
ويضيف الباحث الرئيس: بالاعتماد على نتائج المعالجة الحرارية للتربة، تم حرق عينات التربة على درجة حرارة معينة ولمدة مضبوطة باستعمال فرن كهربائي أتوماتيكي، وفي المرحلة الثانية تم وضع خطة عملية لاستبدال جزئي للإسمنت البورتلاندي العادي بالتربة المحروقة (التي تعرضت للمعالجة بالحرارة) بنسب مختلفة وصلت إلى (٥٠%) في خلطات المونة، وكل خلطات المونة المصنعة خضعت لفحوصات في الحالة السائلة الرطبة والحالة الصلبة، حيث تم قياس الكثافة، ومقاومة الضغط، ونسبة الفراغات، ودرجة الامتصاص، والعزل الحراري وغيرها من الخصائص الفيزيائية والميكانيكية.
أهمية الدراسة والأهداف
وحول أهمية الدراسة أكد الدكتور محمد صدَيق مداح على أنها خطوة نحو تشجيع استعمال مواد البناء محلية المصدر والتصنيع، فكل المواد البوزولانية والإضافات الإسمنتية المستخدمة في قطاع البناء في سلطنة عُمان مستوردة وتستنزف مقدارا لا بأس به من العملة الصعبة، ولكن استخدام التربة المعالجة حراريا كمادة بوزولانية محلية سوف يساعد في تحسين جودة المواد الأساسية المستخدمة في البناء (الملاط، المونة، والخرسانة) من حيث قوة تحمل الضغط والديمومة لمقاومتها الجيدة للعوامل المناخية والأملاح والكيمياويات بالإضافة إلى المساهمة في تحقيق الاستدامة، وتخفيض التكلفة والاعتماد، ولو جزئيا، على الموارد المحلية.
توصيات الدراسة والمخرجات
خرجت الدراسة بجملة من التوصيات أبرزها توسيع مجال البحث لأنواع أخرى من التربة الطينية المستخرجة من أماكن عدة من مختلف محافظات السلطنة، كما أوصت الدراسة أيضا باستعمال هذه المادة في مشروع مصغر وحقيقي (بيت سكن عائلي نموذجي) وإجراء كل الاختبارات الضرورية لتثمين النتائج البحثية وإسقاطها على الواقع المحلي، وكذلك ضرورة تبني جهات رسمية للمشروع الموسع وتمويله بالإمكانات المادية والمخبرية التي تتيح دراسة أكثر شمولية ودقة لما للمشروع من أهمية استراتيجية، وإجراء تجارب مخبرية موسعة تشمل اختبارات أخرى لم تتمكن هذه الدراسة من القيام بها لضيق الوقت، وقلة الإمكانيات المتوفرة.
منجزات المشروع
حصل المشروع البحثي المكون من الباحث الرئيسي الدكتور محمد صديق مداح، والباحثة نعيمة بنكاري، وصالح بن ناصر السعدي، ويونس بن خميس المكتومي من جامعة السلطان قابوس على الجائزة الوطنية للبحث العلمي من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لعام2023م في فئة حملة الدكتوراه ضمن قطاع الطاقة والصناعة، وعلى جائزة البحث العلمي للنشر من قبل جامعة السلطان قابوس، بالإضافة إلى نشر الدراسة ونتائجها في مجلة هندسة البناء ” Journal of Building Engineering وهي مجلة دولية محكمة مصنفة ك Q1 في قاعدة بيانات سكوبس وشبكة العلوم وتعتبر من بين المجلات الرائدة في نشر الأبحاث المتعلقة البناء من مختلف زواياه وجوانبه.