الصحوة – ناصر بن محمد الحامدي
النظافة في الإسلام ليست مجرد إجراء صحي أو سلوك اجتماعي، بل هي فعل روحي يعكس العلاقة الجدلية بين الجسد والروح، فكما أن الصلاة تقيم صلة العبد بربه، فإن الطهارة شرط لإمكان هذه الصلة، إذ لا يمكن للروح أن ترتقي وهي محاطة بجسد مهمَل، ولا يمكن للعقل أن يبلغ صفاءه في فضاء غير صحي، والمسجد، بوصفه ملتقى التجلي الإلهي والجمع الإنساني، يقتضي أقصى درجات النقاء، ليس فقط من حيث الطهارة الشرعية، بل من حيث نظافة البدن والثياب والمكان ؛فالنظافة من حيث هذه الأهمية ليست مجرد سلوك صحي، بل هي مظهر من مظاهر الإيمان وأحد أعمدة الحياة الروحية في الإسلام، فهي انعكاس لنقاء القلب واستعداد المرء للوقوف بين يدي الله في حالة من الطهر الجسدي والمعنوي،وتظهر هذه الأهمية جليّة في توجيهات الإسلام المتعددة التي تدعو إلى النظافة، خاصة عند دخول المساجد وأداء الصلوات، لا سيما صلاة الجمعة والجماعة، حيث يجتمع المسلمون في بيت الله، مما يستدعي أقصى درجات الحرص على النظافة الشخصية والمكانية.
الإسلام يؤسس لعلاقة جدلية بين الطهارة الظاهرة والباطنة، فلا انفصال بين نظافة الجسد ونقاء القلب، يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222)،مما يوحي بأن التطهر ليس مجرد فعل ميكانيكي، بل هو عملية مزدوجة، تتجسد في إزالة الأوساخ الظاهرة والتطهير النفسي الداخلي.
إن فكرة الطهارة في الإسلام تتجاوز المعنى الظاهري لتدخل في عمق الأخلاق والسلوكيات، فالوضوء ليس مجرد غسل للأعضاء، بل هو إعلان عن استعداد النفس للقاء الخالق، والاغتسال يوم الجمعة ليس مجرد عادة، بل هو رمز لتجديد الإنسان وإعداده لاستقبال لحظة جماعية مقدسة ، قال النبي ﷺ:”إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل” (متفق عليه)،
وهذا يضع النظافة في إطار إلزامي، لا كخيار شخصي، بل كضرورة تتعلق بجوهر الفعل التعبدي نفسه.
المسجد ليس مجرد بناء مادي، بل هو فضاء طهري يعكس علاقة الإنسان بالله وبالآخرين، وعليه، فإن دخول المسجد بحالة من الإهمال الجسدي أو الروائح الكريهة لا يعد مجرد سلوك شخصي، بل هو تعدٍّ على قدسية المكان وحقوق المصلين في بيئة نقية، ولذلك، نهى النبي ﷺ عن دخول المسجد لمن أكل الثوم أو البصل، فقال: “من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته” (متفق عليه)،مما يدل على أن النظافة شرط اجتماعي قبل أن تكون مجرد مسؤولية فردية.
في ظل هذا المنظور، فإن تقنين النظافة في المساجد يصبح ضرورة حضارية ودينية،لذا، يمكن اقتراح الآتي:
1.توجيه المصلين جميع المصلين في خطب الجمعة بأهمية الاغتسال يوم الجمعة، وارتداء ملابس نظيفة، واستعمال الطيب، كشرط لدخول المسجد.
2.وضع لوائح تنظيمية تمنع دخول من لا يلتزمون بمعايير النظافة، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، حماية لروح الجماعة وحرمة المكان.
3.إطلاق حملات توعوية لتعزيز مفهوم الطهارة كممارسة وجودية
لا كواجب ظاهري فقط.
4.أيضا،من بين الأمور التي ينبغي العناية بها لضمان بيئة نظيفة في المساجد،تجنب استخدام الأحذية البلاستيكية العامة في أماكن الوضوء، لأنها قد تكون بيئة مناسبة لنمو الجراثيم والميكروبات، خاصة مع تعرضها المستمر للرطوبة والمياه الراكدة،بدلًا من ذلك، يُنصح بارتداء الأحذية الشخصية الخاصة بكل فرد، مما يقلل من احتمالية انتقال العدوى والأمراض الجلدية، كما يمكن تعزيز النظافة في الحالات الضرورية، بوضع أحذية قابلة للتنظيف والتعقيم بانتظام، وتوفير أماكن خاصة لتخزين الأحذية خارج منطقة الوضوء،لذا، نقترح بوضع لوائح تنظيمية لتوعية المصلين بأهمية هذا الأمر في الحفاظ على نظافة المكان وصحة مرتاديه.
ختاماً:
النظافة في المساجد ليست مجرد التزام فردي، بل هي انعكاس لحالة المجتمع كله، فإذا كان المسجد فضاءً نقياً، فهذا دليل على وعي حضاري، وإذا كان مهملاً، فهو انعكاس لاضطراب في السلوك والقيم، ومن هنا، فإن وضع تشريعات لضبط معايير الطهارة في المساجد ليس تقييدًا للحريات، بل هو تكريس لقيمة النظافة كأحد تجليات الإيمان الحق،كما أن النظافة ليست مجرد مسألة شخصية، بل هي مسؤولية جماعية، خاصة عندما يتعلق الأمر ببيوت الله، ومن أجل الحفاظ على قدسية المساجد وجمالها، يجب على الجميع أن يكونوا على قدرٍ عالٍ من الوعي بآدابها، إن تطبيق القوانين التي تحافظ على طهارة المساجد هو خطوة ضرورية لضمان أن تكون هذه الأماكن الطاهرة بيئة روحانية خالية من كل ما ينفر أو يؤذي المصلين.