اكتئاب شبكات التواصل الاجتماعي .. قضية أسباب تقتل جمال الحياة الواقعية
كتبت/ كلثم بنت عبدالله الدرمكية
د. أحمد حمدان: أتفق، المشكلة ليست في وجود مواقع التواصل الاجتماعي بل في طريقة استعمالنا لها..
كون أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت منصة ذات قواعد متينة للكشف عن تفاصيل الحياة اليومية فإنها تتسبب بإثارة مجموعة من العواطف، بما فيها الحزن سواءً عبر مقارنة النفس لا شعورياً بالأصدقاء أو الإحساس بالرفض وعدم القبول من قبل الآخرين فالمشاعر هنا تتجاوز لوحة المفاتيح وضغطة زر! وهو ما دفع إلى صوغ مصطلح “اكتئاب وسائل الإعلام الاجتماعي”.
الأسباب
د. عصام اللواتي، مساعد بروفيسور علم النفس بكلية مزون، قال: “تعزى أسباب الاكتئاب إلى العوامل الوراثيّة والبيولوجيّة: يحصل هذا عندما يعيش الفرد في أسرة متوارث لديها الاكتئاب نتيجة نقص في المواد العصبيّة النّاقلة في مركز الدّماغ، والّتي بدورها مسئولة عن المزاج والانفعالات والتّفكير والسّلوك. العوامل التربويّة: هذا العامل يعدّ من أكثر عوامل الاكتئاب خطورة؛ وذلك لأنّه ينقل الاكتئاب بطريقة غير مباشرة عن طريق مشاهدة الأطفال لآبائهم؛ فتنتقل لديهم أساليب وأنماط معيّنة مثل: التشاؤم والاكتئاب، وإساءة الظن، والحساسيّة المفرطة. ظروف الحياة : ليس من الممكن أن تجري الحياة على سفينة مستقرّة من دون وجود منغّصات الحياة؛ كوفاة عزيز، أو وجود مشاكل زوجيّة وأسريّة، وفقدان العمل، وتدهور الصحة، والمشاكل الماليّة، وعدم الزواج، والتّقاعد غير المخطّط له. الاضطرابات الشخصيّة : من أكثر الشخصيّات عرضة للإصابة بالاكتئاب، أصحاب الشخصيّة الوسواسيّة التي تعرف بالتشدّد وعدم المرونة، والشخصيّات الهستيريّة التي تغلب عليها الانفعالات وتقلّب المزاج”.
في حين أن يوسف الكمالي، استشاري نفسي، وضّح “لم يكن مصطلح اكتئاب السوشل ميديا معروفًا قبل ٢٠١٤، حيث أجريت في هذه السنة دراسة واسعة من كلية الطب في جامعة بيترسبرغ الأميركية على عينة لا تقل عن ١٧٠٠ أمريكي تتراوح أعمارهم بين ١٩-٣٢ عاما وتوصلت إلى أن الأشخاص الأكثر استخداما لوسائل التواصل معرضون للاكتئاب ضِعفي الأشخاص الآخرين. بناء على هذه الخلفية المختصرة، يمكننا أن نفهم اكتئاب مواقع التواصل من زاويتين فإما أن يكون سببًا للفراغ وعدم الفاعلية والبحث عن المثاليات التي يروج لها بعض مشاهير السوشل ميديا أو أن يكون نتيجة لهذه العوامل بحيث يحاول الشخص أن يهرب من واقعه الفارغ المحبط إلى ذلك الواقع الافتراضي وبعد حرق الوقت والتركيز والفرص في مواقع التواصل يتفاقم لديه الشعور بالاكتئاب.”
وأضاف ” يجب أن نفرق ونحن نتحدث عن الاكتئاب بين الإصابة باضطراب الاكتئاب، والذي يعني الشعور في معظم الأوقات بفقدان المعنى والحزن وعدم القدرة على الاستمتاع بأنشطة الحياة، والاختلال في الكثير من الوظائف الرئيسية في حياة الإنسان لمدة طويلة. يجب أن نفرق بين الاكتئاب كمرض نفسي وبين مؤشرات وملامح الاكتئاب الخفيف التي لا تصل إلى درجة الاضطراب المزاجي المستمر مثل نقص الشعور بالمتعة وفقدان قيمة الحياة في بعض المواقف وفي بعض الأوقات”.
التعرض!
دراسةٍ جديدةٍ صادرةٍ عن مدرسة الطب بجامعة «بيتسبرج» في ولاية بنسيلفانيا بالأمم التحدة الأمريكية، أوضحت أنه كلما زاد عدد المرات التي يستخدم فيها الشباب في الولايات المتحدة وسائل التواصل الاجتماعي، زادت احتمالية تعرضهم للاكتئاب!، ومن المتوقع بحلول عام 2030م أن الاكتئاب الناتج عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي سيكون سببًا رئيسيًا يؤدي إلى الإعاقة في الدول ذات الدخل المرتفع.
منها فقد استرسل د. أحمد حسن حمدان، محاضر في قسم علم النفس بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس قائلا: “التعرض المستمر للصور المثالية التي يرسمها الأشخاص عن أنفسهم على صفحات التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى إشعال مشاعر الحسد والاعتقاد الخاطئ أن الآخرين يعيشون حياةً أكثر سعادةً ونجاحًا، كذلك قضاء وقتٍ أطول على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الفراغ يزيد من خطر التعرض للمضايقات الإلكترونية أو غيرها من الأمور السلبية التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى الشعور بالاكتئاب.”
المراهق!
وأشارت إحصاءات دراسة بريطانية حديثة أنه نحو 90% من المراهقين لهم وجود على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن أولئك الذين يتصفحون تلك المواقع لفترات طويلة ليلًا هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالضيق والاكتئاب الذي قد يصاحبهم إلى مرحلة البلوغ أيضا.
في هذا الصدد صرح د. أحمد حمدان أن ” المراهقة تعتبر من أهمّ المَراحل العمريّة التي يمر بها الإنسان وأكثرها حساسيّةً وهي مرحلة نمائيّة كباقي المَراحل الأخرى، إلّا أنّه يتخلّلها تغيير شامل وجذري في جميع الجوانب والظواهر الجسميّة والعقليّة والانفعاليّة والاجتماعية، حيث أن المراهق يكون أكثر عرضة للتأثر بمنشورات منصات التواصل مما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب عن غيره.”
مؤكدًا أنه يتفق تماما على أن شبكات التواصل لها شقيها الجانب السلبي والجانب الإيجابي، إلا أن طريقة استخدامنا السلبية لها هي المشكلة في احتمالية الإصابة بمشاكل نفسية كانت أو اجتماعية.
الصحة النفسية
إلى جانبه أعرب الكمالي قائلًا: “التفكير الإيجابي، والنشاط الدائم، والإنجاز، وفهم الذات، والقدرة على التكيف مع المواقف المختلقة والواقعية في الحياة جميعها تعد من عوامل الصحة النفسية، وفقدانها جزئيًا أو كليًا يجعل من النفس البشرية أرضًا خصبة للاضطرابات. ولا يمكن تعويض تلك العوامل من خلال منصات افتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ما لا يستوعبه مكتئبو السوشل ميديا.”
الانتحار!
اكتئاب مواقع التواصل الاجتماعي له آثار سلبية عائدة للمتأثر والمجتمع في ذات الوقت، فقد بينت صفاء الوهيبي ،خريجة قسم العمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس أن “قد يصل المكتئب بسبب شبكات التواصل الاجتماعي إلى مرحلة الانتحار وذلك لأنه يصاب بما يسمى العزلة الاجتماعية أي يعيش في عالم افتراضي ويرتبط بعلاقات افتراضية التي من الممكن أن تكون فالحقيقة علاقات مع شخصيات وهمية انتحالية، وغالبًا يشعر وكأنه مغترب عن أسرته، مغترب عن مجتمعه وعالة عليه، كما أن علاقاته الواقعية تتضاءل بصورة ملحوظة وهذا ما يطلق عليه بالانسحاب الاجتماعي ومستواه التحصيلي ينحدر بشكل لا يرضيه .. فالمجتمع هنا يخسر فردًا وقوة ذات قدرات وإمكانيات كان قد بُني عليها آمال كثيرة.”
الوعي!
كل قضية تلازمها حلول! بعد النظر للأسباب الكثيفة والنتائج والآثار التي تخلفها مشكلة اكتئاب مواقع التواصل الاجتماعي فإنه من المهم أن نتعرف على مجموعة من الحلول التي تقلل منها “بالإرشاد والتوجيه المبكر لأفراد المجتمع حول خطورة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، وزيادة وعي الأهل بضرورة تجنيب أطفالهم لاستخدام المنصات الافتراضية، ومراقبة الذات لعدم نشر أي محتوى لا يحظى بالقبول أخلاقيا واجتماعيا، وتصحيح الأخطاء حول آلية عمل تلك المواقع والثقة بالنفس والرضا عنها جميعها كفيلة لتقليص مشكلة الاكتئاب الناتج عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.” د. أحمد حمدان