استطلاع: سالم الفارسي
“البخشيش” ظاهرة دخيلة على المجتمع العماني تنتشر في التعاملات التجارية، حيث ظهرت مع إزدياد أعداد العمالة الوافدة في مختلف الأنشطة التجارية. وهي في أبسط تعريفاتها المتداولة عبارة عن “قيمة من المال الزائد عما تم الاتفاق عليه بين المستفيد ومقدم الخدمة، بحيث يمنحه الطرف الأول للطرف الثاني برضى منه”. هناك من يعتبره نوع من المساعدة والتراحم، ويطلقون عليه مصطلح (إكرامية)، فيما يعتبره آخرون تحايل على الاتفاق المُبرم ومضايقة يجب إيقافها وردعها لما تسببه من إزعاج. وتكثر ممارسة هذه الظاهرة عند مجموعة من العمالة الوافدة المنتشرة في مختلف الأنشطة التجارية ، وبشكل واسع في الأنشطة التجارية الصغيرة.
تتطرقت “الصحوة” لمعرفة المزيد عن ظاهرة “البخشيش” من خلال آراء مجموعة من المواطنين، وما يعتقدونه حول هذه الظاهرة، مع إرفاق قصص وأمثلة من واقع الحياة اليومية. بالإضافة إلى الآثار المترتبة على هذه العادة مع عدم وجود أنظمة رادعة تحد من انتشارها.
يرى المواطن سعيد بن سليمان المعمري أن بعض الأشخاص يلجأ لدفع المال نظير خدمة أو عمل مقدم له بنية الصدقة، والرحمة، والعطف على بعض الفئات العاملة في المجتمع وهو ما يسمى اليوم “البخشيش أو الإكرامية” وتعطى لبعض العمالة نظير إنجازهم لعمل معين قاموا به بحيث تكون مكافأة لهم لاهتمامهم وإنجازهم العمل على أكمل وجه.
ويضيف المعمري: “كثرت ظاهرة البخشيش أو الإكرامية وتعددت طرقها وانتشرت في مجتمعاتنا، فنلاحظها بكثرة في أماكن متعددة كالمطاعم والمقاهي الفخمة، وبين الباعة المتجولين، وصالونات التجميل، وعمال النظافة، والمحلات التجارية، وفي أماكن أخرى كثيرة، فاليوم أصبحت بعض العمالة الوافدة تتخذها كدخل إضافي مقابل عمل قامت به وأحيانًا دون أي عناء وتعب فأصبحت كظاهرة التسول”.
على سبيل المثال، عند الذهاب إلى المطاعم والمقاهي الفخمة وتقوم بدفع الحساب يطلب النادل منك مبلغ نظير الخدمة المقدمة وإذا رفضت دفع المبلغ فلن تحصل على خدمة جيدة في المرات القادمة، وسيقوم بتأخير طلبك. فقد استغل مقدم الخدمة أصحاب القلوب الرحيمة والتي اعتادت على مد يد العون والمساعدة لمن هم أحق بهذه المساعدة، فأساؤا استخدام المهنة، وادخلوا عليها عادات دخيلة لكسب المال.
وكذلك عند الذهاب إلى صالون الحلاقة في أيام الأعياد، ففيها تكثر ظاهرة طلب العيدية بحيث تكون بخشيش أو إكرامية وليس نظير تقديم خدمة معينة، حيث أن الحلاق يقوم بقص الشعر بسعر ريال واحد، ولكنه يطلب عند الإنتهاء من العمل ريالين أو ثلاثة تكون بخشيش أو إكرامية لهذه المناسبة، و إن لم تدفع له لن تحصل على خدمة جيدة في المرات القادمة، ويرد عليك بأن الجميع يدفعون هذه المبالغ الزائدة أيام الأعياد، تعددت الطرق والهدف هو جيب طالب الخدمة.
يقول المعمري: “لاحظت هذه الظاهرة بين عمال النظافة كذلك ، فقد كنت أذهب كل يوم لممارسة الرياضة على الشاطيء ، وفي كل يوم كنت ألاحظ أحد عمال النظافة يجلس بجانب الطريق يستلطف المارة دون تقديم أي خدمة ليجني مبالغ طائلة كل يوم. فعندما تنعدم المتابعة، والمحاسبة، والمعاقبة، ولا يوجد أنظمة أو قوانين أو جهة تتحمل مسؤولية متابعة كل من يقوم بهذه الظواهر الدخيلة على المجتمع، سوف تنتشر مثل هذه الظواهر ويصبح جيب المواطن هدف لطالب البخشيش أو الإكرامية، والتي ظن بها بعض الأشخاص أنها صدقة من باب الرحمة والمساعدة لا من باب إفساد المجتمع والمساعدة في نشر عادة دخيلة في مجتمعنا”.
وأكد المواطن منتصر بن سليمان المسكري بأنها ظاهرة منتشرة كثيرًا وخاصة في الفترة الأخيرة لدرجة “أنك إن لم تعطه مبلغ مجزي لنظر إليك نظرة وكأنك أكلت شيء من حقوقه”، فمثلاً الوافد العامل في مغاسل تنظيف السيارات إن منحته بخشيشًا فإنه يبدي اهتمامًا أكثر بالسيارة أثناء غسيلها وتجده يعمل بجهد كبير وتفسير ذلك أن مبالغ البخشيش التي يحصل عليها من عمله تذهب لجيبه الخاص وليس لصالح المؤسسة التي يعمل بها. ويضيف: “ومن المواقف التي لاحظتها كذلك أن بعد الانتهاء من عملية تسوقك بإحدى المراكز التجارية الكبيرة تجد من يساعدك لحمل الأغراض لموقع سيارتك ومساعدتك في تحميلها دون أن تطلب منه ذلك ليطالبك بعدها بالبخشيش”.
وتقف المواطنة شهلاء البلوشية موقف المحايد في القضية ، حيث أنها تعتبر هذه الظاهرة سلبية حين يقوم مقدم الخدمة بطلبها منك، فهذه عادة سيئة تعكر مزاج المستفيد من الخدمة وقد ينفر منك ويبحث عن بديل في المرات القادمة، أما الجانب الإيجابي فهي حينما تكون نابعة من النفس وعن طيب الخاطر، دون طلب مسبق، وذلك بأن المستفيد يجد من مقدم الخدمة عملاً فيه اهتمام كبير وجهد عظيم، فيحب أن يكافئه على ذلك ، وليس شرطًا أن تكون المكافأة مالاً، فالكلمة الطيبة لها مردود معنوي كبير، وكذلك الابتسامة في المعاملة وكلمة الشكر.
كما أكد المواكن عادل بن علي الغيثي أن البخشيش ” ظاهرة دخيلة على مجتمعنا العماني، فهناك فئة من العمالة تم برمجتهم على البخشيش، ونحن الملامون في ذلك فحتى يحصل الفرد على خدمات خاصة يقوم بإخراج مبلغ زائد عن قيمة الخدمة، فمثلاً يحصل على تلميع أكثر لسيارته من وجهة نظره، كيف يحصل هذا وهو يجني راتبًا من عمله لك بتقديم هذه الخدمة؟ “.
مضيفًا: “من جانبٍ آخر، لا أحد ينكر أن الإكرامية تسعد من يقدم لك خدمة في كل الأحوال، ولكن يجب أن ندرك أن من آثارها الجانبية الضارة هي تعويد من حولك على حاجة لا طاقة لك فيها ولدى البعض. وفي ذات السياق يجب أن ننبه للفارق بينها وبين (البشارة) وهي مختلفة تمامًا عن البخشيش لدى مجتمعنا العماني، ففي حين وصول خبر سعيد لك يطلب البعض منك البشارة وهي عبارة عن إكرامية يقدمها متلقي الخبر السعيد وكلًا على مقدوره وميسوره من تقديم البشارة لحامل الخبر الجميل”.
وقد أجمع المواطنون أنه على المرء ألاّ يتجاهل الجانب الإنساني في التعاملات التجارية المختلفة ، فالكلمة الطيبة لها أثر، ولكن دون الضرر بمجالات التعامل بحيث لا يجب السماح بالانتشار لظاهرة البخشيش، والواجب على كل مواطن أن يوحّد الموقف وطريقة التعامل مع العمالة الوافدة والفئة التي تطلب ذلك، كما أن إدارة المؤسسة وجهات الاختصاص لا يجب أن تتوانى في إتخاذ الاجراءات اللازمة ضد هذه الظواهر الدخيلة.