الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
عظيمة أنتِ يا عمان ، كعظمة قاماتك الكبار وهاماتك عالية المقام ، كأمثال عبد وجيفر اللّذين – وهما على ملكهما – اتبعا طريق الحق والهداية ، وأسلما وشعبهما لله طائعين مذعنين له عزّ وجل من دون أن يطأ بلادهم خفّ ولا حافر ، فنالا بذلك رضا الله جلّ جلاله وتقدست أسماؤه ، وفازوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالخير والرزق ، وبألاّ يسلط الله عليهم عدواً من غيرهم ، كما نالوا رضا الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .
نعم عظيمة أنتِ يا عمان كعظمة الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني في علمه وورعه وتقواه ، حتى قال عنه عبدالله بن عباس : “لو نزل أهل البصرة عند قول جابر بن زيد لأوسعهم عما في كتاب الله علما” ، وكعظمة المهلب بن ابي صفرة في شجاعته وقوته وبسالته ودفاعه وحرصه على رفع راية الإسلام ، وكعبدالله بن أباض في جرأته على قول الحق عندما خاطب الخليفة عبدالملك بن مروان باسمه ولم يخاطبه بلقبه موجهاً لعبدالملك النصيحة في الله .
عظيمة أنت يا عمان كعظمة أحمد بن ماجد أسد البحار ومخترع الإبرة المغناطيسية ( البوصلة ) التي بها وعليها تهتدي قوافل حجاج البحر وسفنه ورواده ، وترشدهم إلى قبلتهم التي يرمون إليها ، وكعظمة الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فلم يرَ الراؤون مثل الخليل ، ولم يرَ الخليل مثل نفسه ، فاستقامت بيوت الشعر ومعلقات الشعراء على أوزانه وبحوره ، ورصّع حروف العربية بماء الذهب في التنقيط والتشكيل ؛ فأضحت لعشاقها كحسناء في ليلة زفافها ، لا تُخطئها العين ولا يتلعثم اللسان عند قراءتها ، وليس ببعيد عن الفراهيدي أعلم الشعراء وأشعر العلماء صاحب كتاب الجمهرة ، وأعني به ابن دريد أبو بكر بن محمد الحسن الأزدي .
عظيمة أنت يا عمان، كعظمة العمانيين الذين ارتادوا البحر شرقاً وغرباً ، إما للتجارة أو طلب العلم أو نشر الإسلام فكانت بلاد فارس و السند والهند والصين والساحل الشرقي لأفريقيا والبحر الاحمر وغيرها من البحار والبلدان ، تُقدُم لهم قرابين الشكر والثناء والعرفان ، على عِظم الرسائل التي يحملونها من مودة ومحبة وسلام وإخاء ، وعلى ذلك فقد ترك العمانيون في بلدان كثيرة مجموعة من القيم المعنوية والمآثر المادية في تنزانيا وجزر القمر والصومال وأوغندا وغيرها ، فقد عشق العمانيون البحر حتى عُرفوا بأسياده ، فبادلهم البحر عشقاً بعشق .
عظيمة أنت يا عمان ، كعظمة ذلك الصيّاد العماني الذي يغادر أطفاله وأسرته في جوف الليل ، حاملاَ على كتفيه شباك صيده ، فيصارع أمواج البحر الأتية من بعيد ، وهو على مركبٍ خشبي ، في قلهات أو صور أو الاشخرة أو محوت أو الجازر أو صحم أو الخابورة أو بركاء أو مطرح أو سداب ، يكابد برودة الشتاء وحرارة الصيف ، ليعود في الصباح الباكر بما رزقه الله من نعمة الصيد وكنوز البحر ليُؤمن لأسرته مصدر رزق دائم ، ولكي يوفر لمجتمعه في الأسواق صيد البحر الذي يجود بها بحر عمان والخليج العربي وبحر العرب، فقد رزق الله عمان إطلالة متميزة على هذه البحار الثلاثة ، وهي غنية بالخيرات ، وافرة بأجود أنواع الأسماك .
لقد اعتمد الآباء والأجداد على هذا الرزق العميم ، فلم يتأففوا من رطوبة البحر ، وزفارة السمك ، وملح مياه البحر ، الذي علق في أيديهم وأرجلهم وعلى وجوهم ، ولم يأنفوا إن هم عادوا يوماً ما برزق يسير ، فالأرزاق يقسمها الله وهو خير الرازقين ، فكما قال ابن القيّم : ليس سعة الرزق والعمل بكثرته ، ولا طول العمر بكثرة الشهور والسنين ، ولكن سعة الرزق والعمر بالبركة فيه .
عظيمة أنت يا عمان ، كعظمة شبابك المتمسك بمهنة الصيد ، التي ورثها من آبائه ، وإن بدا في بعض الولايات مزاحمة الوافد لهم في مضرب بحارهم بالقرصنة على المهنة وأدواتها ، على الرغم من أنّ سلطة الدولة تعمل على التضييق على هؤلاء القراصنة الجدد ، ولكن مما يؤسف له أنّ بعض أهلنا هم من يوفر الحماية لهم ، ويُكرس سيطرتهم عليها ، يدفع بعض قومنا الطمع والجشع وحب المال ، وهم في غفلة مطبقة عما يلحق بشبابنا وبثرواتنا البحرية ، حتى بات هؤلاء القراصنة هم أصحاب العمل ومشغليهم من العمانيين على الورق ، تبعاً لهم .
وهنا يجب أن يشد الجميع على يد السلطة لمحاربة هذه الظواهر السلبية التي تُحارب العماني في مصدر مهمّ من مصادر رزقه ، مهما كانت سطوة ومبررات الواقفين وراء من يسرق أرزاق شبابنا ، فعمان لأهلها والبحر ، فيه ثروات كثيرة هي ملكية خاصة خالصة لهم .
عظيمة أنت يا عمان ، كنتِ ومازلتِ ، وستظلين كذلك ، ليس بالدعاء وحده ، ولكن بإخلاص المخلصين من شعبك وصدق الصادقين ، وحرص الحريصين ، وغيرة الغيورين ، وتفاني العاملين ، وإيمان الجميع بالشراكة في الوطن في اليُسر والعسر وفي الرخاء والشدة .