الصحوة – عظيمةٌ أنتِ يا عمان ، كعظمة يوم الثامن عشر من نوفمبر من عام ١٩٤٠م ، ذلك اليوم الذي حفره التاريخ واختزنَتْه الذاكرة العمانية ؛ فصَبّت عليه صلالةُ من ماء الخلود صبًّا ، وتلقّته مسقط وصحار والرستاق ونزوى وعبري والبريمي وابراء وصور وهيما وكل شبر من عمان بقلوب ملؤها البشْر والسعادة والفرح والسرور ، لأنه ليس يوماً عادياً بالنسبة لعمان والعمانيين ، هو يوم مولد سيد عمان ، وهو سلطانها ، وحكيمها ، وقائدها ، ورمزها وفخرها ، وعزّها وَوَليّ أمرها ، وتاجُها وصولجانُ مجدها .
عظيمةٌ أنتِ يا عمان ، كعظمة نهضتنا المباركة الكبرى التي أزاحت ظلام الجهل ، وشعشع بها نورُ العلم ، وارتفعت من خلالها بيارق المعرفة على مباني المدارس والمعاهد والكليات والجامعات التي أقامتْها ، حتى سجدت لها الأرض والسهل والجبل ، وبفضلها تمّ قهْر المرض الذي استشرى في الخلق ، حتى ارتفع تاج الصحة على رؤوسهم ، وأعادت للفقراء والمعوزين كرامتهم ، وكسرت قيوداً كانت مانعةً ومكبّلة للحريّات ، وأزاحت أستار الخوف ، ليحلّ مكانه الأمن والأمان والاستقرار في ربوع البلاد .
عظيمةٌ أنتِ يا عمان ، كعظمة الإسهام التاريخي لسلطان البلاد المفدى في إعادة بناء وترسيخ الوحدة الوطنية ، والذي غيّر ملامح الحياة السياسية والاجتماعية لعمان والعمانيين معاً ، في الحاضر والمستقبل ، حيث التفّ العمانيون من شرق الوطن وغرْبه ، ومن شماله وجنوبه ، رجالهم ونساؤهم ، شبابهم وشيوخهم ، متهلّلة قلوبهم ووجوههم ، حول القائد المنقذ والملهَم ، الذي يُؤمن بأهمية وضرورة الوحدة في بناء الوطن ، والذي يتمتع بمزايا وسمات القيادة التاريخية ، ولمّا رأوا صدق الإخلاص في القول والعمل ؛ رموا آثار ومخلفات المحن وراء ظهورهم ، ونسوا الأحقاد والضغائن التي خلفتها النزاعات الداخلية ، وغلبوا المصلحة العامة على أية مصالح أخرى ، فتوحّدت الجهود نحو أمر واحد ، اسمه العمل ، ثمّ العمل ، ثمّ العمل دون صراخ أو ضجيج ، كما يجعجعُ الأخرون ، فدارت عجلة التنمية ، وشمّر الجميع عن ساعد الجد ، وكان جلالة السلطان أوّل الركب يقود الأمة ، ويدفع بالعزائم والهمم نحو العمل الجاد والمثمر ، في ملحمةٍ وطنيّة عنوانها البذل والعطاء ، لوطنٍ يأبى إلا أنّ يكون في مركز وقلب الدائرة وليس على هامشها ، فاستعادت عمان حضارتها ومجدها وعزّها وهيبتها .
وإذا كان الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي قد وضع الأسرة البوسعيدية على كرسيّ الزعامة ، فإنّ جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ، وضع الزعامة في الوطن ، وجعل الوطن زعامة ، فزعامة الوطن هي المبتدأ وهي المنتهى ، وقابوس تفرّد في قيادته لوطنه ، فهو ذو بأس شديد ، وعزمٍ أكيد ، ورأي سديد ، وعقل رشيد ، وحكمة بالغة ، نهض بالأمة من أجل التغيير والإصلاح ، فخطا بعمان أوسع الخطوات في أقصر وقت ، إذ شملت نهضة الخير كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية والقانونية ، في بناءٍ حلقاته متتابعة ، فأعاد والعمانيون معه كتابة تاريخ الأمة ، وسطّروا ملحمة وطنية في حب العمل وصناعة الإنجاز ، في مشهد أقلّ ما يوصف بالإبهار والإعجاز .
عظيمةٌ أنتِ يا عمان ، كعظمة النسيج الاجتماعي الذي يعيشه شعبك ، نسيج تمت حياكته بحبل الله المتين ، وتمّت طرازته بقيم الدين والأخلاق والأعراف والعادات العمانية ، فترسخت قيم المواطنة الحقّة والولاء للوطن والانتماء للأرض ، فنبذ العصبية الجاهلية نبْذاً ، وتبرأ من النعرات الدينية والطائفية تبرّؤًا حقاً ، وتغلّبت مصلحة الوطن على المصالح المناطقية والقبلية ، وغيرها من التصنيفات البغيضة الممقوتة التي تؤخر أسباب التطوّر .
عظيمةٌ أنتِ يا عمان ، كعظمة سلطانك الذي شعر الجميع بصدقه ؛ فأصدقه شعبه في القول والعمل ، وراحت شعبيته تتضاعف في نفوس وأفئدة هذا الشعب الوفي ، كان جلالته ومازال قريباً من قلوب الصغار والكبار ، فآمنوا وسلموا بقيادته وزعامته بطريقة لم يُعرف لها مثيل ، في التاريخ العماني خاصة ، والتاريخ العالمي المعاصر عامة .
ونحمد الله حمداً بعدد ما خلق في الأرض والسماء ، وما سيخلق فيهما ، على أنّ سلطنة عمان ستمضي خلف قيادتها وولي أمرها بارّة بوعدها وعهدها له ، حباً وولاءً وإخلاصاَ للوطن وللسلطان تحفظهما عناية الله ، وتكلؤهما رعايته .