الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
المسلمون إخوة يشد بعضهم بعضاً ، متحابين في الله مذعنين له جلّ جلاله ، والتعاضد والتراحم والتكافل الاجتماعي دعائم أساسية تقوم عليها الأمة المسلمة ، فالمجتمع المسلم هو الذي يٌطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاماً وخلقاً وسلوكاً ، وفقاً لما جاء به كتاب الله المنزل ، وما طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً ، وما سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده .
والتزام المجتمع بقاعدة التكافل الاجتماعي يحقق ركناً ركيناً من قواعد التكامل الذي يدعو إليه الإسلام معتقَداً وسلوكاً ونظاماً ، والذي يعمل أن يجد مكانه بارزاَ في المجتمع ، بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه السامية ، ذلك أنّ الإسلام قد اهتم ببناء المجتمع المتكامل ، وأرسى في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لتأكيد الصورة التي وصف بها الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك المجتمع بقوله : ” مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” .
والتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مقصوداً على النفع المادي فحسب ، وإن كان ذلك ركناً أساسيًا فيه ، بل يتجاوز إلى جميع حاجات المجتمع أفراداً وجماعات ، مادية كانت تلك الحاجات أم معنوية أم فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم ، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة .
وتتجلى مظاهر التكافل الاجتماعي في الاهتمام بالفئات المجتمعية الأكثر تضرراً من مصاعب الحياة ، وهي في الغالب تكون المستهدفة بهذا التكافل في مفهومه الضيق والمتمثلة في كفالة كبار السن والعجزة ، وكفالة الصغار والأيتام ، وكفالة الفقراء والمساكين ومشاركتهم آلامهم وتنفيس الكرب عنهم ، وبذل العون لهم مادياً ومعنوياَ ، سواءً بفتح فرص العمل لهم ، أو من خلال المسؤولية الكاملة للمجتمع عن فقرائه الذين لا يجدون عملاً أو لا تتسع مواردهم للوفاء بحاجاتهم ، وذلك من خلال فريضة الزكاة أو من خلال الصدقات والتبرعات .
ومما لا شكّ فيه أن التكافل الاجتماعي يعود بجملة من الآثار الإيجابية النافعة والمفيدة على الفرد والمجتمع ، ومنها : –
– رضا الله سبحانه وتعالى
– زيادة قوة وتماسك المجتمع ، وحمايته من
مخاطرالتفكك الأسري والضغائن والحسد
وغيرها من الأمراض الاجتماعية والنفسية .
– تحقيق العدالة الاجتماعية
– انعدام العوز والحاجة لغير المقتدرين
– انخفاض مستوى الجريمة في المجتمع
– تخليص المجتمع من الفقر والدَّين والمشاكل الأخرى .
ولا غرابة في أن نجد روح وفكرة التكافل الاجتماعي قد ترسخت وتسيدت في المجتمع العماني ، الذي تربى على تعاليم الدين الإسلامي ومكارم الأخلاق الفاضلة وحسن الأعراف والعادات والتقاليد العمانية منذ قديم الزمان ، حتى في حالات ضنك العيش ، إذ نجد الفقير يجود بما لديه لمن هو أكثر منهم حاجة وعوزاً ، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وكأني أستعيد شريط الذكريات أيام الحارة القديمة عندنا ، وقد تبادل الجيران جزءاً من طبيخهم فيكمل ذلك ما نقص أو حرم منه الأخر ، وتتكرر هذه المشاهد أثناء جني المحاصيل وفي كسوة الأعياد ، والهبّة عند حدوث المصائب ، فترى الجميع في ودّ وتعاضد وتراحم وتكافل اجتماعي في أبهى وأحلى صورة ينسجها العمانيون في حياتهم المعيشية.
وفي الواقع فإنّ الدافع إلى كتابة هذا المقال ذلك المشهد الجمالي الذي ترسمه بعض الأيادي لفتية وفتيات نذروا أنفسهم لخدمة مجتمعهم في كافة المجالات ، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، في عملٍ تطوعي نادر لا يرجون من ورائه جزاءً ولا شكوراً ، فقط يبغون مرضاة الله سبحانه وتعالى ، ومضاعفة حسناتهم لديه جلّ شأنه، ومحبة الناس لهم ، وقد أخلصوا العمل لمساعدة الفقراء والمساكين ، لإخراج سجين من السجن لصدور حكم عليه بسبب إعساره أو انقطاع مورد رزقه ، لسداد قرض بنك لا يرحم ولا يهمه غير تراكم الفوائد التي تضاعف القرض ، أو شركة تمويل التي تكون أجبرت الشخص تحت ظروف الحاجة على توقيع شيكات مؤجلة الدفع لعدة سنوات ، وهذا في رأيي المتواضع يخرج الشيك من طبيعته كأداة وفاء ، إلى مجرد ورقة ائتمان ، حالها كحال الكمبيالة ، أو يعملون لإعادة التيار الكهربائي لأسرة لم تستطع دفع فاتورة الكهرباء ، أو لإعادة توصيل المياه التي قطعت لذات السبب ، وفي هذا السياق سمعت أنّ إحدى شركات الكهرباء قطعت التيار الكهربائي عن منزل أسرة بسبب أحد عشر ريالاً فقط ، ولم تكتفي بذلك بل أقامت على الأسرة دعوى في المحكمة .
والحمد لله على هذا التزاحم والتسابق على العمل الخيري من قبل هذه الهمم العالية والقلوب الراضية المرضيّة عنها من لدن رب العالمين ، فلدينا عشرات الجمعيات والفرق الخيريّة المنتشرة في ولايات السلطنة المختلفة ، وإن كان لي أن أسمي بعضا منها، فأذكر بكل فخر واعتزاز ؛ جمعية دار العطاء ، جمعية بهجة العمانية، جمعية التدخل المبكر للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، فريق الرحمة الخيري ، فريق عبري الخيري ، فريق بسمة الخيري ، فريق منح الخيري ، فريق بهلاء الخيري …
وإلى جانب هذا الجهد الجماعي، برزت أسماء على منصات التواصل الاجتماعي من أمثال الاستاذ عبدالله العدوي والأستاذة عائشة القرطوبية وغيرهم الكثير من أبناء هذا الوطن العزيز الذي لا ينبت ولا يثمر إلا طيبًا ، فكم من طفلة أو طفل ارتسمت البهجة على وجهه بعد خروج أبيه السجين ، وكم من أسرة أضاء بيتها بعد أن فقده التيار الكهربائي بسبب فاتورة الكهرباء ، وكم من عائلة ذاقت طعم الزاد كانت فقدته لضيق ما في اليد ، وكم من فريق خيري – مثل فريق عبري الخيري- شيّد ورمّم بيتاً أو أعان في فرشه وتأثيثه ، وكم وكم من أعمال الخير التي قام ويقوم به أبناء عمان الطيبة .
وبطبيعة الحال فإنّ من وراء هذه الجمعيات والفرق الخيريّة ، وكذلك الأفراد المكرسين جهدهم ووقتهم في خدمة مجتمعهم ، أصحاب الأيادي البيضاء والسجايا الحميدة ، الذين ينفقون أموالهم في السر ابتغاء مرضاة الله وغفرانه ، رجال لا يكنزون الذهب والفضة ، ولا يبتغون شهرة أو سمعة ، يجودون بما لديهم ولو كان قليلاَ ، يشترطون حتى عدم الإعلان عن أسمائهم ؛ حتى لا يحبط عملهم بعمل من أعمال الدنيا .
إنّ المتابع يلاحظ ارتفاع مستوى نعمة التكافل الاجتماعي في المجتمع العماني ، بما يعزز ويقوي لحمتهم ونسيجهم الوطني ، فيا أيها النبلاء والنبيلات ، ويا أصحاب الأيادي البيضاء ، أنتم السعد وانتم السعداء ، فبارك الله فيكم وبارك لكم وكثّر الله من أمثالكم ، وملأ صحائفكم حسنات وجزاكم عن الوطن وأهله خير الجزاء ، وطوبى لكم ثم طوبى لحسن صنيعكم ، وأبشروا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ” حقاً لقد اشتريتم الأخرة بالدنيا بخٍ بخٍ لكم فوالله لقد ربح السعيُ والمسعى ، وبورك جهدكم وعملكم ، فهنيئاً لكم وهنيئاً لعمان بكم ودمتم في حفظ الله.