الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
” سلطانٌ من سلالة سلاطين الهيبة العظام ، هيثم بن طارق المعظم ، أصلُ الجود وسليله ، وزميل الكرم ونزيله ، بحر لا يظمأ وارده ولا يمنع بارده ، غوثه موقوف على اللهيف ، وعونه مبذول على الضعيف، يزرع الأمل في فضاء الوطن ، ويوقد الهمم في قلوب شعبه وأنفسهم ، ويسابق عقارب الزمن من أجل نهضة عمانية متجددة ، راسخة الجذور برسوخ إيمان هذا الشعب بوطنه ، شامخة تطاول هامات السماء علواً ومجداً ، يواصل المسيرة الظافرة ليزيد رصيد المعجزات التي تحققت على أرضٍ طيبة لا تنبت إلا طيبا ، توشّح بوشاح العزم والعمل ، وعقد لواء الحسم والعزم بالمضيّ قدماً نحو مواصلة البناء ، فالأساس موجود ، والغرس معهود ، وجواد الخيل نحو العلياء مسروج ، فاعتلى عرش البلاد ، وبات همّه البلادَ والعباد ، فأصدر أوامره وتوجيهاته السامية ، بعضها معلن وبعضها خفيّ ، لكنّ أثرهما الإيجابي غير خافٍ ، لتصب كلها في مصلحة الوطن ، وسعادة المواطن ورفاهيته ، فكَم سعدت صحار ومنح وصلالة بالزائر الميمون ، واستحقت محافظة مسقط لتكون شوارعها وطرقها وحوائرها ، محلاًّ لتطواف يدوم في سيارة واحدة دون حراس أو جنود ، فطوبى ثم طوبى لكِ ياعمان ليؤكد أنّ الخلف خير لخير سلف “.
الفقرة السابقة ليست قطعة أدبية، بل توطئة ضرورية وحتمية لمن يعنيهم هذا المقال ، فلعلهم يستشعرون حجم المسؤولية ، وترتفع أرواحهم المعنوية ، لينفضوا غبار التكاسل ، فيقبضوا قبضة من أثر سيد عمان ووليّ أمرها في السخاء والعطاء ، والإرادة الصادقة في البناء والنماء ، من أجل عمان وشعبها ، رغم كثرة التحديات وتناقص الإمكانيات وتزايد الحاجات ، وإنّي لأراهم وكأن الشاعر يعنيهم بقوله :
لقد أسمعْتَ لو ناديتَ حيًّا ولكن لا حياةَ لمن تنادي
فهم لا تسمع لهم حساً ولا خبرًا ، وكأنهم يعيشون على كوكب آخر ، سكّانه من الأنانيّن المتسلّقين ، الذين همّهم الاستفادة من الظروف وعدم الإفادة للآخرين .
لن أستعمل أساليب التورية والاستعارات التي لطالما لم تُجْدِ نفعًا ، ولن ألمزَ من طرف خفيّ ، بل سأوجّه كلامي سهامًا مقصودة لهم ، وأعني بهم أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى والبنوك ، وبالمجمل القطاع الخاص العماني ، الذي لطالما هيأت له الدولة المناخ الملائم لكي ينمو ويكبر ، من خلال تسهيلات ائتمانية ، وقروض بدون فوائد ، وإعفاء من الضرائب والرسوم لسنوات عدة ، هذا بخلاف التسهيلات الإدارية والإعفاءات الأخرى ، على أمل أن يسهم هذا القطاع في نمو البلاد ، وازدهار شعبها ، وأن يعمل طواعيةً لا مِنّةً على رد الجميل والدَّين حينما تدلهمّ الخطوب وتحدث الأزمات . وأيّ خطوب أكبر ! وأيّ أزمات أعظم ممّا تمرّ به الدولة ! فإلى متى ستتغافلون ؟!
والحقيقة ، أنه حتى المتشائمين ، كانوا يُحسنون الظن بهذا القطاع – رغم أن المواطن والوطن لم يذكر لهم يدًا بيضاء تُذكر إلا إن كانت لمصلحة دعائية أو لهدف خفيّ – أقول حتى حسن الظنّ الحذر الذي توجّسه الناس فيهم ، ظهر وهماً ، كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، وهذا ليس من باب التجنّي أو التحامل على القطاع الخاص ، وإنما التراكمات الأخيرة هي التي أوصلت الكثيرين إلى هذه النتيجة ، فبخلاف السلبية التي عليها ، ظهر موضوع تسريح العاملين العمانيين من بعض الشركات الكبيرة، وظهر أيضاً العشق للوافد في كافة المستويات الإدارية والفنية ، وكشفت هذه التصرفات عدم رغبة القطاع الخاص لخطة التعمين التي تقودها وتسعى لها الدولة ، وكم كانت الصدمة واسعة وعميقة عندما قرأنا قبل أيام قلائل خبر تنصيب مدير عام أجنبي لمصرف عريق، وكأنّ عمان عدمت من يشغل فيها هذا المنصب . يا لخيبتنا فيكم
وليس هذا بيت القصيد الذي أود الوصول إليه ، فقبل ثلاثة أسابيع تقريباً ، تفضّل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه ، فوجّه في اجتماع مجلس الوزراء بإنشاء صندوق الضمان الوظيفي ، وتكرّم – أبقاه الله – بمنحة من لدُن جلالته قدرها عشرة ملايين ريال عماني ، ليكون هذا الصندوق عوناً لمساعدة العاملين العمانيين المسرّحين من أعمالهم ، وكذلك للباحثين عن العمل ، ويوجد أنظمة شبيهة في بلدان أخرى.
والصدقَ أقول : أننا توقعنا تهافت القطاع الخاص من بنوك وشركات تمويل ووكالات السيارات وغيرها من الشركات الكبري ، وأصحاب رؤوس الأموال من مسؤولين وغير مسؤولين للتبرع لدعم هذا الصندوق ، فمضت الأيام يوماً بعد يوم ، وقلنا لعلهم يحضرون لنا مفاجأة كبرى في أن يكون الدعم سخياً يتناسب مع الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلد ، لكنّ توقعاتنا خابت وبدلاً من أن يكون التهافت إيجابياً في الدعم والمساندة كان التهافت سلبياً للهروب والتنصل من المسؤولية ، ولم نسمع بمتبرع واحد .
وها هو وباء كورونا قد اجتاح العالم ، ونال منّا كما نال من غيرنا ، واتخذت الدولة وبتوجيهات ورعاية سامية مجموعة حزم من الإجراءات الضرورية لمواجهة هذا الوباء ، ومنها إجراءات لمساعدة المواطنين في معائشهم وأرزاقهم ، إلا أننا في المقابل لم يقم القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال بأية مبادرات لصالح مواطنيهم ، وكأنّ الأمر لا يعنيهم ، وأستثني من ذلك ، تلك المبادرات الفردية الشجاعة لأفراد لا يتعدون أصابع اليد الواحدة ، فَوا حرّ قلباهُ على حالٍ صنعناه لهم ، وبنيناه لهذا القطاع بأموالنا .
عما قريب سيزول بإذن الله تعالى مرض كورونا ، وسيرفع الله الغمّة عن عباده ، وستحل علينا مناسبات دينية ووطنية، وسيتهافت القطاع الخاص من جديد على الإعلانات الترويجية لمنتجاتهم وبضاعاتهم ، أمّا الآن فتراهم كما في أوصاف البخلاء في كُتُبهم :
تراهُم خشْية الإنفاقِ خُرْسًا يصلّون الصلاةَ بلا أذانِ
ويجعلون من أنفسهم صمًّا بُكْمًا عُميًا .
وكأنّ ما يحدث في البلاد شيءٌ لا يعنيهم ولا يخصّهم .