الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
باديء ذي بدء لا بُدّ من الإشارة إلى حتمية ولزوم وجود القوانين في أي مجتمع ينشد الرشد والتنظيم والفلاح، فالقوانين تنظم سلوك الأفراد وأنشطتهم السياسية والافتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يحقق الأمان الاجتماعى والاستقرار السياسي والاقتصادي بغضّ النظر عن مصدر القانون، وإذا ما غابت تلك القوانين، فإن النتيجة الحتمية لذلك الغياب، هي أن تعم الفوضى، ويعتدي القوي على الضعيف، ويستعبد الغنيُّ الفقيرَ، ويغيب العدل وتختفي المساواة ويسود الظلم بين العباد، حتى يصبح شرع الغاب هو المسيطر .
والأصل في القوانين أنها تعكس ظروف وأحوال المجتمع، وهي في أهدافها السامية تحمي مصالح الفرد والجماعة، ومن هذا المنطلق، فإن من أهم حيويتها وأهميتها، أن يكون من شروطها أنها يجب أن تواكب تطورات الظروف الزمانية والمكانية والموضوعية، فإذا تخلفت عن ذلك انفصمت عن الواقع وأصبحت عبئاً على الدولة من خلال عدم رضا المجتمع عنها وإجحافاَ في حقه بتطبيقها عليه، وبسبب تخلفها عن تطلعاته وآماله، فإن تقبّله لها والتزامه بها يكون ضعيفًا، وبالتالي فلا جدوى منها.
أما في الحالة التي لا يوجد قانون ينظم موضوعاً معيناً فهذا يُعد فراغاَ تشريعياً، تتعدد فيه الاجتهادات، وعلى أثرها تختلف الأحكام والتقديرات في المسألة الواحدة ليكون ذلك مدخلاً للإرادات الشخصية بما يكتنفها من تبريرات، قد تكون مقبولة أو مرفوضة.
وليس بخافٍ على أحد، أنّ المنظومة التشريعية في السلطنة شهدت نمواً مضطرداً، اتّسم بتلك المواهب التي مكًنته من القيام بمقتضيات كل مرحلة من مراحله التي نرى أنها تنقسم إلى أربع :
الأولى : منذ قيام النهضة المباركة عام ١٩٧٠م وحتى عام ١٩٧٤م وتولى فيها جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، إصدار عدد من القوانين بحسب الحاجة، إذ كان الاهتمام في هذه المرحلة منصباً على البناء والتعمير وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما هي في كل شأن من شؤون الحياة العمانية الجديدة، فلكل شأن أولوياته.
وتبدأ الثانية بصدور قانون تنظيم الجهاز الإداري للدولة عام ١٩٧٥م، الذي ظلّ الناظم والمرجع الفعلي لكافة أنشطة الدولة.
فيما انطلقت المرحلة الثالثة عام ١٩٩٦م بصدور النظام الأساسي للدولة، الذي منح مهلة قانونية لاستكمال المنظومة التشريعية في البلاد.
وجاءت المرحلة الرابعة عام ٢٠١١م بعد إدخال تعديلات على النظام الأساسي للدولة، فشهدت هذه المرحلة بالذات صدور قوانين غاية في الأهمية، مثل قانون حالة الطواريء، وقانون التعبئة العامة، وقانون حماية المال العام، وقانون المعاملات المدنية، وقانون الجزاء وغيرها من القوانين الأخرى .
ونستطيع القول بصورة عامة بأنه قد اصبح لدينا منظومة قانونية شبه متكاملة، ولكنها مع ذلك، تظل بحاجة إلى مراجعة شاملة للأسباب والمسوّغات التي سنبينها تالياً، ولكن قبل ذلك يتحتم عليّ كعاشق لكل حبة رمل من تراب هذا الوطن، أن أتلمّس وأكشف عن مسألة غاية في الأهمية، ألا وهي البطء الشديد الذي تأخذه الدورة التشريعية لدى الحكومة بالذات، دون معرفة الأسباب أوالعقبات التي تقف وراء ذلك ، فعلى سبيل المثال فإنّ قانون المعاملات المدنية استغرق سبعة عشر سنة حتى صدر، وقانون الجزاء يكاد يكون قد أخذ المدة ذاتها، إن لم يكن أكثر، وغير ذلك من القوانين الأخرى، التي تتفاوت مدد إعدادها حتى يتم اصدارها، يضاف على هذا الآن المدة القانونية المقررة لمجلس عمان في حالة إحالتها من الحكومة .
وفي هذا السياق يجوز التساؤل عن مصير عدد من مشروعات القوانين التي صرح المسؤولون عدة مرات عن جاهزيتها، لكنها لم ترَ النور حتى الآن، مثل مشروع قانون العمل ومشروع التعليم العام والعالي، ومشروع قانون الجمعيات التعاونية، الذي أمر به جلالة السلطان المغفور له قابوس بن سعيد بن تيمور، وغير هذه من المشروعات التي ينتظرها المواطنون .
والدعوة إلى مراجعة شاملة لجميع القوانين، أصبحت واجبة وحتمية، لتحقيق الأهداف الآتية :-
أولاً : التأكد من هذه القوانين من حيث عدم مخالفتها أو معارضتها لنصوص وأحكام النظام الأساسي للدولة، والذي نصت المادة ٧٩ منه على أنه (يجب أن تتطابق القوانين والإجراءات التي لها قوة القانون مع أحكام النظام الأساسي للدولة) . ذلك أن هذه المراجعة ستتيح تعديل مواد القوانين التي تشوبها شبهة المخالفة الدستورية، لأنّ مصير هذه المواد البطلان .
ثانياً : مواءمة القوانين النافذة مع ظروف المجتمع وحاجاته ومصالح الدولة على حد سواء، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تجدر الإشارة إلى القانون المالي الصادر عام ١٩٩٨م وقانون التأمينات الاجتماعية الصادر قبل حوالي ثلاثين سنة، وهذا القانون بالذات بحاجة ماسة للتغيير، وقانون التجارة الصادر عام ١٩٩٠م .
ثالثاً : مواكبة القوانين لسنن التطور في كافة الأمور الحياتية والتقنية والأخذ بأفضل الأساليب بما يؤدي إلى القضاء على البيوقراطية والمحسوبية .
وأستغل هذا المقال لأعيد طرح مقترح كنت قد وجّهته من خلال منتدى إحدى القنوات الإعلامية، إلى معالي الدكتور وزير الشؤون القانونية وعلى الهواء مباشرة منذ بضع سنوات، يقضي بتشكيل لجنة وطنية دائمة لإعداد مشروعات القوانين برئاسة الوزارة المذكورة، وعضوية دائمة لبعض الجهات الرسمية، وكذلك بعض الخبرات الوطنية المشهود لها بالكفاءة، يضاف إليها أعضاء مؤقتين من الجهة أو الجهات التي تعنى باعداد قانون لها علاقة به .
وهذا المقترح ليس سلباً أو انتقاصًا لاختصاصات الوزارة المذكورة، فهي الجهة الأصيلة في إعداد مشروعات القوانين، وإنما الهدف تحقيق أغراض كبرى لعل أهمها توحيد مرجعية واحدة لإعداد أي قانون ، وتحقيق الانسجام والتناغم في الأسلوب الصياغي لكافة القوانين ، وتوحيد المصطلحات القانونية، والتحقق من عدم التعارض بين القوانين أو الازدواجية في المعالجة للموضوع الواحد بالإضافة إلى اهداف اخرى .
وفي الواقع فإنّ خيالي ذهب بعيداً، عندما توقعت أن يأتيني اتصال من مكتب معالي الدكتور الوزير لمناقشة الفكرة على أقل تقدير وليس بالضرورة قبولها، ولكن يبدو أنّ تفكير شخص مثلي لا يرقى إلى مستوى تفكير وزير .
وبتواضع جمّ، فإني أضع مضمون هذا المقال أمام معالي الدكتور رئيس المكتب الخاص لجلالة السلطان المعظم، لعله يجد فيه ما يستحق الشرف بالعرض على مقام مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أبقاه الله ورعاه .