الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
بدايةً، أود توضيح عدد من المصطلحات التي يتداولها البعض دون معرفة معناها القانوني، بل نجده يُطالب بها، وهذا تجنٍ مستفز، وإدلاء من غير ذي تخصص، بدلوٍ بالتأكيد سيكون فارغًا وغير مقبول، فمن تلك المصطلحات مثلاً، مصطلح الحكم المحلي، وهو مصطلح لا يُمكن الحديث عنه إلا في الدول ذات الاتحاد المركزي – الفيدرالي – والتي تتكون من عدة دويلات أو إمارات أو ولايات، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث لديهم سلطة مركزية على مستوى الدولة الاتحادية، وحكومة محليّة في كل ولاية من الولايات الخمسين الداخلة في الاتحاد، والسلطة المركزية تختص بالشأن الخارجي كاملاً، فيما يبقى الشأن الداخلي شِرْكة بين السلطة المركزية والحكومات المحلية، وهذا ما يطلق عليه الحكم المحلي، الذي لا يمكن الحديث عنه في الدولة الموحدة مثل سلطنة عمان، والحكم المحلي يطلق عليه أيضاً اللامركزية السياسية، أما الادارة المحلية أو اللامركزية الإدارية فهو نظام لتوزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة في العاصمة وبين هيئات مستقلة في المحافظات أو الولايات، بحيث تكون هذه الهيئات تحت وصاية السلطة في العاصمة، ذلك أنه أمام تعدد أنشطة الدولة وتداخل وتشابك أنشطتها، ظهرت الحاجة الماسة إلى إيجاد أسلوب يساعد السلطة المركزية – الحكومة – في الاضطلاع بالوظيفة الإدارية التي باتت تُشكل حِملاً يُثقل كاهلها ويحد من قدرتها للوصول إلى كل أقاليم الدولة، بصورة تحقق الرضا، وتَبسط عباءة العدالة الاجتماعية.
ولما كانت سلطنة عمان حالها كحال الدول الحديثة، تسعى إلى توفير الرفاهية والطمأنينه لشعبها، مسخّرة كل مقدراتها وإمكانياتها المادية والبشرية من أجل تنمية شاملة، تمتد إلى قمم الجبال وبطون الأودية، بحيث تنال القرية والبادية حظها من التنمية كبقية المدن والحواضر .
والشأن الداخلي العماني، اعتمد إدارة تناسب متطلباته وحاجاته التي يمكن تلبيتها بأسهل الطرق وأقصرها، فمثلاً، شهد عام ٢٠١١م إنشاء المجالس البلدية على أثر صدور قانون المجالس البلدية بموجب المرسوم السلطاني ( ١١٦ / ٢٠١١م ) ، ثم تبعه صدور اللائحة التنفيذية للقانون في مارس من العام التالي .
وبموجب المادة الرابعة من القانون المذكور، ينشأ مجلس بلدي في كل محافظة من محافظات السلطنة الإحدى عشرة، يكون مقره في الولاية التي يقع بها مركز المحافظة ، على أن تًمثل في المجلس كل ولايات المحافظة، بحيث تتمثل كل ولاية في المجلس بعدد من الأعضاء يختلف من ولاية إلى أخرى، حسب الكثافة السكانية للولاية، فالولاية التي لا يزيد عدد سكانها من العمانيين على ( ٣٠٠٠٠ ) ثلاثين ألف نسمة تنتخب عضوين من أبنائها ، أما الولاية التي يزيد عدد سكانها من العمانيين على ثلاثين ألف نسمة فتنتخب أربعة أعضاء، فيما تنتخب الولاية التي يزيد عدد سكانها من العمانيين على ستين الف نسمة ستة اعضاء، وإلى جانب الأعضاء المنتخبين يضم المجلس أعضاء معينين بقوة القانون، يمثلون بعض الجهات الحكومية الخدمية، ويرأس المجلس البلدي محافظ المحافظة .
منحت المجالس البلدية اختصاصات عدّدتها المادة ١٦ من القانون، وهي اختصاصات تتعلق بالتنمية المحلية لكل محافظة ، يتم رفع توصياتها ومقترحاتها ودراساتها إلى الجهة المختصة .
وفي الحقيقة فإنّ إنشاء المجالس البلدية يُعد أحد مكاسب النهضة المباركة، وإذا كان البعض قد نادى بإلغائها من منطلق عدم وجود اختصاصات فعليّة لديها، نقول إنها بداية طيبة نحو اللامركزية الإدارية الإقليمية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإنه ومن خلال التوجه التنموي في العهد السعيد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أيده الله، وضم تبعية البلديات إلى المحافظين، وتخصيص موازنة لكل محافظة ، فهذا يُبشر ويؤسس لعهد وممارسة جديدَين للمجالس البلدية في المحافظات.
إنّ قراءتي لمستقبل هذه المجالس، يدعوني إلى الدعوة من أجل إصدار قانون جديد ينّظم شؤونها ويمنحها اختصاصات أوسع واشمل، كما يلزم أن يراعي القانون الجديد التوازن بين الأعضاء المعينيين والأعضاء المنتخبين في بعض المحافظات التي يكون عدد سكانها منخفضاً، مثل محافظات الوسطى ومسندم والبريمي، ويبقى الأمل معقوداً ووشيكاَ على صدور هذا القانون الذي يتطلع إليه المواطنون، حتى نحافظ على هذا المكتسب ونرسخه ونعزز ممارسة فعلية يُشارك فيها كل أبناء عمان كلٌ في محافظته .